أمام مشاهد العنف التي تشهدها وتتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي يقف الإنسان أمام هوة شاسعة بين المثالية والواقع. فالأولى تصنع القيم للمجتمعات حتى تستمر بينما الثانية تهدمها وتسقطها لتبقى المجتمعات ممتلئة بالناس لكنها خالية من الإنسانية. تماما كما هو الحال في اليمن.
فالإنقلاب الذي أقدمت عليه ميليشيات الحوثي يفضح مدى توحش هؤلاء الأفراد. وجه مخيف يخبرنا أنه لا حدود للتوحش الذي يسكن النفس البشرية المريضة، الذي يكاد يفوق توحش الحيوانات بمراحل.
فالحيوانات المفترسة لا تفتك بفريستها إلا للحفاظ على بقائها بينما لا تكتفي جماعة الحوثي بالقتل من أجل تحقيق مطامعها بل تبالغ في تطوير وسائل الموت وآلات التعذيب ليصل إلى ذروة لذة العنف.
إذ لا تتورع ميليشيات الحوثي الإرهابية عن صدم الشارع اليمني بجرائمها المتنوعة لتعمل منذ بداية إنقلابها على نصب آلة موت في كل شبر من الأراضي اليمنية في أخطر توحش يتخطى بقية الجماعات الإرهابية الأخرى.
وتستند الحوثية على قوة مزدوجة تجمع إرثا تاريخيا للنظام الإمامي وثوريتها التي تستمد قوتها من الفكر الشيعي. الأمر الذي جعل هذه الحركة تصعد فجأة وتصل إلى السلطة بقوة السلاح. وقد دفع اليمنيون ثمنا باهظا لذلك حيث تنزف دماؤهم بشكل يومي.
يغرق اليمن في بحر من الدماء والفوضى نتيجة استباحة الحوثيين لكل المحرمات وإسقاطهم لكل القيم والأعراف والأخلاق، إذ تتجاوز هذه العصابة كل الجرائم التي عرفها اليمن في كل دورات العنف السابقة. فما يفعله الحوثيون من زرع للألغام والعبوات الناسفة هو تغول خطير في الدم اليمني وفتك صارخ بالنسيج الاجتماعي يهدف دونما شك لإخضاع اليمنيين بكل أطيافهم.
آلة الموت التي زرعها مدمنو القتل تلقف كل ما تجده أمامها، فهي لا تفرق بين طفل وشيخ، رجل وامرأة، حيوان وإنسان.. آلة خراب ودمار حلت باليمن فأردت سعادته حزنا، وابتسامته بكاء، وألوانه سوادا حالكا.
انتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة المتناثرة في جميع أنحاء البلاد يعد خطرا كبيرا قد يؤدي إلى القضاء على الحياة وإصابة المدنيين، هذا عدا عن تسببها في دمار سبل العيش.
هذا السلاح الذي يعمل بصبر وصمت طويلين بات يشكل خطراً داهما على اليمنيين ويدفع بالبلاد نحو الهاوية.
وعملا بأواصر الأخوة وبتعاليم الدين الإسلامي الذي يدعو إلى إغاثة المحتاج، أطلقت المملكة العربية السعودية واحدا من أضخم المشاريع الإنسانية لتطهير اليمن من الألغام والمتفجرات الحوثية.
ورغم قصر المدة فإن مشروع مسام تمكن من تحقيق إنجازات كبيرة. فترة كانت كافية لتخليص اليمنيين من وحش غادر زرعته أيادي الحوثيين في أكثر من 14 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية.
وتبرز مديرية “الخوخة” التابعة لمحافظة الحديدة كواحدة من النماذج المذهلة لتدخلات فرق مسام حيث دبت فيها الروح مجددا بعد أن هجرها السكان طيلة 5 سنوات جراء انتشار الألغام الحوثية الغادرة.
لقد نجحت الفرق الهندسية في تأمين عديد المناطق وإعادة بث الحياة فيها ورسم البسمة على وجوه نال منها الحزن والألم مدة طويلة بعد أن تمكنت من إزالة ما يزيد عن 241 ألف لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة.
في طريقها لبسط سيطرتها على اليمن وشعبه، حطمت الميليشيات الحوثية رقما قياسيا في حرب الألغام حتى نسيت معنى الإنسانية، فازدادت كلفة الانقلاب من خلال إزهاق الأرواح وسلب الأطراف وتدمير الممتلكات وسرقة الأرزاق.