الأخبار
الوطن هو ذاك المكان الصغير الذي يولد فيه الشخص ويترعرع ويتشرب فيه عبق الحياة وجمالها، ويستنشق فيه أول نفحات الأوكسجين، ويخطو بقدميه أول الخطوات بين أهله وأقاربه وجيرانه ليرسم حلما جميلا سيسعى إلى تحقيقه في المستقبل. لكن هذا كله تحول إلى كابوس مؤلم بانقلاب دمر كل الأحلام وقام بطيها وفتح صفحة جديدة مشبعة بالوجع والألم والمعاناة.
هول المعاناة والحرمان والجوع يطارد اليمنيين مما يجعل الدموع تنهمر من مقلهم تلقائيا، لا يوقفها سوى النوم الذي يدخلهم بدوره إلى كابوس يتذكرون فيه شريط المأساة التي يكابدونها يوميا.
الحوثيون ظهروا على الساحة اليمنية دون أن يحملوا في جرابهم مشروعا يخدم البلاد والعباد، فقط كان بروزهم مصحوبا بالتخريب والدمار حيث لا يتركون وراءهم شيئا سليما. هذه الميليشيات تريد أن تعيث فسادا وتنشر الفوضى فحسب. وقد رأت في استخدام الألغام الوسيلة الأنجع للاضطلاع بهذه المهمة التخريبية، لذلك حرصت كل الحرص على زرع هذه المتفجرات أينما حلت وارتحلت بطريقة جنونية وعشوائية، الأمر الذي خلف قصصا مأساوية لا تحصى ولا تعد. حتى أصبحت مشكلة الألغام مشكلة رئيسية نظرا لأنها تهدد حياة اليمنيين ومستقبلهم. إذ لن تكون هناك حياة آمنة في ظل وجود هذا الكم الهائل من علب الموت المنتشرة في كل المناطق.
لقد تعمدت هذه الجماعة زراعة ألغامها في الطرق والمزارع والمنازل وكل ما هو مرتبط بحياة المدنيين في مسكنهم ومعيشتهم، عدا عن نشر هذه الآفة في البحر مما يمثل تهديدا للملاحة والبواخر التجارية.
لكن يبقى المتضرر الأول من الألغام هم المدنيون الذين تلاعبت هذه الشياطين بأجسادهم وحولتها إلى أشلاء متناثرة إضافة إلى فقدان العديد منهم لأطرافهم.
الحوثيون قرروا معاقبة اليمنيين على نبذهم لهم وكرههم لوجودهم الذي روفق بالخراب من خلال الألغام التي قتلت ودمرت وسوت عديد المباني بالأرض ونشرت الموت في كل ربوع اليمن. هذه الوباء سيخلف أجيالا من المشوهين، الأمر لا تقف تبعاته عند أسر الضحايا إنما تتعداها للمجتمع ككل حيث ستصبح هذه الفئة أكثر اعتمادا على المساعدة وأكثر عزلة. ناهيك عن جعلها لزراعة الحقول وحصادها أمرا مستحيلا مما تسبب بأضرار مادية جسيمة ومباشرة للأهالي.
وللتخفيف من الأضرار الإنسانية والذود عن حق الإنسان اليمني في الحياة، تخوض فرق مسام مهمة معقدة في نزع هذه الأشواك القاتلة الموزعة على مناطق اليمن بسخاء وبطريقة ذكية فمنها ما هو على شكل صخور وأخرى على شكل كتل رملية لتتماهى مع الطبيعة التي تزرع فيها لتتمكن من الإيقاع بفريستها بيسر.
لكن رؤية السعادة المرسومة على وجوه العائدين لبيوتهم وتأمل بسمة الأطفال المنبعثة من أعينهم وبث الحياة من جديد في عديد المناطق التي عشش السكون والموت فيها شكلوا دافعا قويا لعاملي مسام للاستمرار في عملهم والتكثيف من جهودهم للمرور باليمن إلى بر الأمان رغم ما يكتنف هذه المهمة من مصاعب وعراقيل ومخاطر.
ويعمل مشروع مسام في اليمن بـ32 فريق هندسي موزعين على 8 محافظات يمنية محررة ابتداء من اليتمة في محافظة الجوف وانتهاء بمديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة.
وقد نفذ الفريق 30 مسام الخاص بجمع القذائف عملية إتلاف وتفجير لـ1303 لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة في مديرية باب المندب بالساحل الغربي حتى لا يتم استخدامها مستقبلا من قبل أي طرف.
لقد تمكن مشروع مسام منذ انطلاق عمله من إزالة 191054 لغم وعبوة ناسفة وذخيرة غير منفجرة ومازال مستمرا في إنجاز مهمته الإنسانية غير أن هذا المجهود الجبار ينتظر دعما دوليا للتسريع في عملية إنقاذ اليمن من إجرام جماعة الحوثي وحلفائها.