لم تعد حقول اليمن ومزارعها وزراعها وفلاحوها ودوابها يستبشرون بمواسم الأمطار كما كانوا في السابق، ولم يعد هطول الغيث النافع، نافعاً بالنسبة لهم وموسماً للخصب والبذل والتهيئ لحصد ما لاجادت به سواعدهم بل هناك سيناريوهات أخرى رسمت وغيرت الكثير من مسلمات الأمس، فكل شيء تغير في اليمن بسبب الألغام، وموازين الحياة انقلبت ومعادلاتها تداخلت والجاني واحد “الألغام”.
ولنعلم كم ضاقت الحياة على اليمني وكم تغيرت حياته بسبب جائحة الألغام في وطنه، يمكن أن نرقب مواسم الأمطار التي باتت تعلو في مقدماتها التحذيرات من الخطر الداهم والسيناريوهات المرعبة، وفي حقيقة الأمر الأمطار لم تغير من طبعها، ولم تتنكر لليمني بل هي كعادتها تنزل خيراً وبركة، لكنها ما إن تصل إلى الأرض وتسلك دروبها حتى تصبح خطيرة للغاية.
فالكم الهائل من الألغام العشوائية والمموهة والمنتشرة في كل مكان، يجعل من سيول الأمطار سيناريو مخيف لكوارث محتملة، فالسيول تجرف كل ما في طريقها، لكن طريقها لم يعد آمنا كما كان، وإنما بات مسرحا لعلب مهلكة للحرث والنسل، وتنقلها بين ثنايا السيول يهلك كل من تمر به ومن يستدرج نحوها بدافع الفضول.
وبهذه الطريقة صارت الأمطار في اليمن تنزل في قلوب اليمنيين خوفاً وتجرى من حولهم فتزيدهم رعباً لرعبهم، وتذكرهم أنهم ليسوا آمنين وأنهم مهددين في كل لحظة، وأن جرم الألغام حول حتى مواسم الأمطار إلى فترات ترهيب ووعيد، وأن كل موسم مطير لا يخلو عادة من ضحايا الألغام المهاجرة التي تتنقل في بطن السيول محدثة كوارث حقيقية.
الهلاك المهاجر
أسر يمنية عديدة هجرتها الألغام من قراها ورمت بها في العراء في خيام النزوح وجعلتها لقمة سائغة بين يدي السيول المطيرة، التي تحمل لهذه العائلات ألغاماً مهاجرة تحط رحالها على تخوم خيامهم وتنال منهم حتى وهم في تلك المناطق النائية الموحشة الوعرة.
ورغم رسائل مسام التحذيرية التي قام هذا المشروع الإنساني بنشرها على نطاق واسع في اليمن قبل موسم الأمطار الأخير، وقع ضحيتان وهما كل من أحمد علي العواضي 14 سنة، وليث ناصر العواضي 18 عاما”، اللذان أصيبا بجروح متفرقة، نتيجة انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول إلى منطقة “سائلة بوادي بيحان”.
وقد وجه مسام رسائل توعوية تحذيرية للأهالي في عدة مناطق يمنية منها بيحان شبوة، وحريب مأرب، ونعمان في البيضاء، من خطر الألغام والذخائر التي من الوارد أن تجرفها السيول من المواقع الملوثة إلى مناطق عدة مأهولة وزراعية بهذه المديريات نتيجة الأمطار.
ودعا مشروع مسام المزارعين ورعاة الأغنام والابل في الوديان والمزارع والصحاري، خصوصاً في مناطق التماس الموبوءة والمزروعة بكثرة من الألغام، إلى الحذر من كلّ الأجسام الغريبة التي قد يجدونها والتي تجرفها سيول الأمطار الغزيرة وتعمل على نقلها من مكان موبوء إلى آخر آمن.
وقد ناشد مشروع مسام المواطنين بالإبلاغ الفوري عن أيّ جسم غريبٍ يُشتبه بكونه لغماً أو عبوة ناسفة إلى الجهات المختصة وعدم الاقتراب من الأودية والجبال التي قد تكون ملوثةً بالألغام.
حيث يواصل مسام توعية المدنيين بخطر هذه العلب المهلكة المهاجرة التي حولت مواسم الأمطار إلى فترات ذروة للقلق والإستنفار والتهيء للسيناريو المخيف، ليفقد بذلك اليمنيون شغف آخر للحياة بسبب الألغام وتسقط ورقة الغيث النافع في مهاترات الألغام الدموية أيضاً.