على يد الألغام الغادرة دفع اليمنيون ضريبة جسدية ونفسية باهظة للغاية، نطلع العالم الإنساني على غيض من فيضها.
ففي حي الأربعين بمدينة تعز، كان الشاب عبد الملك محي الدين عائداً إلى منزله، لكنه فاق في المستشفى بعد أن اعترض طريقه لغم زرعه الحوثيون في باب منزله، مما تسبب في بتر قدمه اليمنى وجروح بليغة في أجزاء مختلفة من جسده.
يقول الشاب عبد الملك لمكتب مسام الإعلامي: “أُصبت بلغم زرعته ميليشيا الحوثي في باب منزلي، والآن أعيش بانتظار الموت.. فقد حرمَتني الإصابة من ممارسة حياتي اليومية كالآخرين، وأصبحت سجيناً للآلام”.
أما أمل، فشابة يمنية كانت بالأمس القريب تشع أملاً وسعادة، وترمز للحياة في أوجها، فقد كانت أمل تحلم باستكمال تعليمها الجامعي وهي بصدد التجهيز لعرسها أيضاً، وتحلم باليوم الذي تدخل فيه مملكتها الجديدة مع شريك حياتها، لكن كل تلك الآمال والأحلام البراقة، ذهبت سدى فجأة وعلى حين غفلة، حينما كانت أمل ماضية في طريقها لاستكمال بعض احتياجات جهاز عرسها، استوقفها حشد من الأطفال يلعبون بجسم غريب، تمعنت فيه جيداً وعلمت أنه لغم مموه، فحملات مسام التوعوية ثقفت منال وغيرها من المدنيين حول هذه الأجسام الغادرة، فهرعت للأطفال وأخذت منهم ذلك العدو المهلك، حينها قفز أحد الأطفال ليستعيد ما أخذته منه، فسقط الجسم الغريب أرضاً وانفجر.
إصابة أمل بهذا اللغم الغادر أطفأت إحدى عينيها وخلفت لها ألماً كبيراً، حيث اضطرت لتركيب عدسة لتخفي ما حل بعينها من مصاب وتشوه، وهو ما جعل عريسها يعدل عن الزواج منها، حيث قالت: “بعد الحادثة بمدة انقطعت الأخبار من جانب عريسي وعائلته، وسمعت بعد فترة أنه خطب وتزوج”.
كما أن لطفل اليمني فراس هزاع، ذو الأربع سنوات قصة مريرة مع الألغام، ففراس كان يلعب ولاحظ على الأرض جسماً خاله لعبة، فحث خطواه ليقلبه ويظفر به قبل أقرانه، وما كان من هذا الجسم المتستر تحت جناح الخداع والتموية، إلا أنه انفجر في يد فراس وتتسبب في بتر أربع أصابع منها، وبذلك شوهت في ذاكرته صورة الألعاب للأبد.
وفي عمر الثامنة، عرفت فرح أن في بلدها يعيش انقلاباً، وأن عليها وأسرتها أن يتركوا قريتهم، وينزحوا، ولم تكن تعرف ماهو النزوح، كانت تخاله فسحة خارج القرية لوقت ومن ثم العودة لبيتهم، لذلك كانت تحس فرح وقتها بالفضول والفرح لأنها سوف تخوض تجربة النزوح.
براءتها ساقتها بعد سنتين، وفي عمر العاشرة تقريباً إلى مصير مر، حيث داست على لغم غادر في قريتها، وأغمضت عينها لآخر مرة على معاني الفرح التي كانت تعرفها، فحينها استيقظت فرح من غيبوبة الألم والجراحة، ووجدت نفسها مبتورة القدمين.
وعانت فاطمة قائد، المسنة اليمنية، ضعيفة القوى، ضعيفة الحال مصيرا يدمي القلوب بسبب الألغام، حيث تبعث رؤيتها وهي في كامل صحتها، ودون نيل لغم منها الشفقة، فتقدمها في العمر يكشف كم شقيت هذه المسكينة في حياتها وكم لاقت من متاعب في دربها، وهي لم تكن بحاجة لأي عارض آخر ليزيد من شقائها
لكن حالة فاطمة وتقدمها في السن وضعف قوتها، لم يشفعا لها لدى لغم غادر، حيث نال منها وهي تقيس خطاها ضعفا وخوفا، على الطريق، وقصم ظهرها للأبد وأباد ما تبقى فيها من قوة ورمى بها في زواية العجز، بعد أن بتر رجلها.
كما عاش اليمني حسين العباب مأساة حقيقية بسبب الألغام التي عاش تفاصيلها مع فلذة كبده حيث قال لمكتب مسام: “ابني وصديقه كانوا من ضحايا هذه الألغام، وتوفي صديقي بسبب انفجار لغم في أحد الشعاب، فيما أصيب ابني إصابات بالغة، حيث تم بتر 125 سم من أمعائه بعد تعفنها على إثر هذا الحادث الملغوم، وأصبح معاقاً وغير قادر على السمع ويعاني حالة نفسية صعبة، خاصة أنه يعاني كثيراً عند الأكل، لذلك هو مقل جدا في الأكل، كما انقطع عن الدراسة”.