الأخبار
الألغام.. عقوبة جماعية سلطتها النقمة الحوثية على اليمنيين أجمعين، عقابا لأهل اليمن على تمسكهم بمناعة وطنهم.. لكن أي عقاب؟.. عقاب مرير أسدل على واقع اليمنيين ستارا من القمع والمنع والخيبات والحسرات والمآسي.
فخاخ الموت المتفجر، حالت بين اليمنيين والمعنى الحرفي والحيوي للحياة، فلا تنقل ولا عمل ولا أمن ولا أمان ولا طموح ولا استقرار ولا طمأنينة ولا هناء ولا برد عيش يطبب للناس جراحهم ويشد أزرهم.
فكل هذه المعاني وغيرها أسقطتها الألغام عن اليمنيين وجعلتها رهينة خطوة ما في ما مكان، فكل ما يحمله اليمنيون من صور مريرة عن صنيع الألغام بذويهم يجعلهم يستبطنون في أذهانهم صورة واحدة مفادها، خطوة، فانفجار، فموت أو عجز.. لا غير.
هذه هي حياة اليمنيين في ظل الألغام، معلقة بين الموت والحياة ومفتوحة على احتمالات كبيرة للعجز والسقوط في شراك الإعاقات المزمنة في طرفة عين.
فبين أهل اليمن والحياة تفرش الألغام مسارح مستجمة فيها، وتتدثر بثرى وطنهم الجريح وتذمر لهم كل شر، فكيف يمكن أن تتخيلوا طعم هذه الحياة التي تصوب نحوها الألغام مدافعها المترعة بالنقمة.. أقل ما يقال فيها أنها علقم معتق.
فالألغام عتقت في فخاخها لليمنيين أسوء سيناريوهات الهلاك وسقتهم عدد أنفاسهم ألوانا من المخاوف، فيكفي أنك لا تثق في الأرض التي تدوس عليها لتصاب بهستيريا من الهواجس، ويكفي أن تحمل في ذهنك فكرة أن خطوة واحدة قد تلقي بك في مهالك الردى، فإما موت محقق أو موت جزئي بعد خسارة طرف أو أطرف من جسمك، وتعطل لحياتك للأبد وخسارة لوظيفة نلتها بعد عناء أو مرتبة علمية كانت ستجعل منك ربما مصدر عطاء لهذا الوطن وليس عبء عليها.
هذا ما فعلته الألغام بأهل اليمن.. جزء في المقابر، وآخر زاحف في دروب العجز والبقية مسكونون بهواجس الخوف من هذا الإرهاب المتربص بهم من تحت الأرض.
ورغم كل هذا العبء النفسي والجسدي الذي سلطته الألغام على اليمنيين، لم يسقط هذا الشعب العظيم، ولم يفلت أصابعه المغروسة بجسد الحياة، بل ظل نازفا يكابر على جراحه الغائرة، حتى حل فرج الله، وحط مسام رحاله على أرض اليمن وانطلق ينزع الألغام ويزرع الأمل، يؤمن الأرض ويبذر الطمأنينة في قلوب الناس، يدحر الألغام ويشيع أسباب العيش.. ورويدا رويدا أخذت الحياة تدب في ربوع عدة من اليمن بعد سنتين ونيف من جهود مسام، هذا المشروع الإنساني، الذي خلص اليمن واليمنيين حتى اليوم من 175 لغما، لتستمر مسيرة العطاء حتى يصل اليمن إلى ضفاف الأمان المرجو إليه. فهنيئا لشعب اليمن بصموده الباسل وهنيئا لهم بمسام، رئة الأمان في ظل جائحة الألغام.