شيوخ أجسادهم نحيلة، وأطفال بملابس ممزقة تنهشهم الأمراض، نساء ينتظرن العائل عسى أن يأتي بما يسد الرمق.. الوقت لم يرحمهم فرسم تجاعيده على جباههم… إنهم خارج الزمن وداخل المكان منذ أن طفت على واقعهم جماعة الحوثي الإرهابية.
فعندما سيؤرخ التاريخ أهوال الواقع اليمني سوف تقطر صفحاته دما. ذلك الدم الذي استباحته الميليشيات الحوثية لتزج بملايين الناس في أتون أزمة إنسانية لم ير العالم مثيلا لها وربما لن يرى مثلها بتاتا.
هذا الإرهاب الحوثي يبرهن على أن الميليشيات تخوض حرب “اللاعودة” لاسيما وأنها تنفذ أجندة خارجية. لذلك نجدها ترتكب جرائم إبادة جماعية ضد من يعارضها أو يفكر في ذلك فاقت في فضاعتها جميع الجماعات الإرهابية.
فعلى مدار سنوات انقلابها، زرعت هذه العصابة أعدادا ضخمة من الألغام بشكل عشوائي لتزهق أرواح المواطنين العزل ولتتلاعب بحاضر ومستقبل شعب بأسره. وقد نوعت من أدواتها القاتلة بين الأرضي والفردي والمموهة والعبوات الناسفة مختلفة الأحجام والأشكال.
وتعتبر ميليشيا الحوثي من أكثر العصابات ممارسة لحرب الألغام في العالم باستخدام مجموعة من الأجهزة المتفجرة وتكتيكات التمويه حتى بات اليمن اليوم يصنف على أنه أكثر دول العالم تلوثا بالألغام. إذ تشير التقديرات إلى أن ما يزيد عن مليوني لغم تمترسوا في الأراضي اليمنية وصاروا خنجرا مغمودا في الجسد اليمني.
لقد تعمدت هذه الجماعة نشر علبها المنفجرة على كامل مساحة هذا البلد، ولم تسلم منها حتى المنازل التي هجرها سكانها هربا من عربدتها كنوع من العقاب الفردي لحاجتها إليهم لاستخدامهم دروعا بشرية في حال حاولت القوى النظامية دحرهم.
هي تمارس سياسة حصد الأرواح وتدمير الأرض بامتياز وتلذذ. فالكميات الكبيرة من الألغام المزروعة تبين النهج الدموي لهذه الميليشيات. فهي لا تفتأ تطمر شياطينها في كل شبر من الأراضي اليمنية.
زراعة الموت مزقت أوصال الجسد اليمني وجعلته على فوهة بركان. إرث يصعب التخلص منه على المدى القريب. لقد تغير كل شيء في ذاك البلد حتى صار أسوأ شيء يمكن أن تفعله هناك هو المشي في الطرقات أين يختبئ الموت في كل مكان.
وللسائل أن يسأل:” إذا كان اليمن هكذا اليوم فكيف سيكون حاله غدا؟” أعتقد أنه لن يتغير شيء مادامت هذه الجماعة تتصدر واجهة المشهد هناك. فالتاريخ سيعيد نفسه لكن بشكل أشد ظلما وظلاما وبؤسا. والأشد ألما أن هذه الانتهاكات تمارس باسم الدين.
لقد وجد هذا الإجرام استنكارا من المملكة العربية السعودية التي أكدت أنها الأخ العضيد في وقت الشدة، حيث عبرت عن دعمها لليمن من خلال حزمة من الأعمال الإنسانية لعل أهمها مشروع مسام الذي اعتبر نبراس أمل اليمنيين الذين صمدوا في وجه الانقلاب الغاشم في الوقت الذي خذلهم فيه الكثيرون.
مشروع مسام أولى اهتماما كبيرا بالعمل على إزالة الأشواك العالقة في الأرض اليمنية التي تمدى الحوثي في نشرها ضمن سياسة إرهابية أجادته ميليشيات مارقة على نحو أمثل.
جهود ضخمة تبذلها الفرق الهندسية التابعة للمشروع لتفكيك شبكات الألغام حتى يتمكن السكان من العبور إلى حياة آمنة ومستقرة خالية من هذا الوباء اللعين.
وقد استطاعت إلى حد الآن إزالة ما يربو عن 230 ألف لغم وذخيرة غير منفجرة.
ما أنجزه مسام على أرض الواقع وما هو ماض في إنجازه ليس ضربا من الشعارات الزائفة ولا الوعود الواهية وإنما إنجازات تتحدث عنها الأرقام قبل الكلمات.
لقد تخبط اليمن طوال الفترة الماضية على غير هدى تتقاذفه أطماع وطموحات فئة لا يحركها غير هوسها بالحكم.
حيث تعتبر هذه الحقبة التاريخية لليمن الأعنف والأسوء بما حملته من عذاب وألم ودموية.