حتى في صلب القصص المريرة التي تسمع وتحكى عن عذابات أهل اليمن مع الألغام، يطل الأمل برأسه من رحم معاناة هذا الشخص أو ذاك عندما يذكر مشروع مسام على الشفاة وتحضر إنجازاته في العقول وتفيض الآمال التي يزرعها على قلوب ودروب الناس، لتبشرهم أن الخلاص من الألغام المهلكة وعلب الموت المتغطرسة مسألة وقت لا غير وأن هذا الحلم يسلك كل يوم طريقه في التحقق.
وقصة مسعد ناجي تعكس بعمق ثنائية الألم وأمل في حاضر اليمنيين، فهذا الكهل اليمني عانى كثيرا مع الألغام وخسر صحته وأرضه وبيته بسبب بطشها، لكن فرق مسام أعادت له الأمل وجعلته ينظر للمستقبل بتفاؤل رغم مصابه الجلل ويعقد على فرق مسام آمالا كبيرة لتخليص منطقته وكل اليمن من كابوس الألغام المؤرق.
فمسعد اضطر بسبب انتشار الألغام في منطقته واحتدام المعارك أن يغادر بيته وأرضه، وفي طريق الهروب من الموت نالت منه طلقات نارية فشوهت بطنه، الذي يحمل جروحا غائرة تذكره دائما بالرصاصات اللاتي استقرت في أحشائه وتمكن الأطباء من سحبها بعد جراحات صعبة، وقدر له أن يعيش بعدها، وأن تلازمه ذكريات ذاك اليوم الماطر بالرصاص الذي ترك علاماته الشنيعة على بطنه.
ولم يستطع مسعد أن يصمد طويلا في غياهب النزوح داخل أسوار وطنه المنكوب بعلب الموت أينما حل وذهب، فحمله الشوق وغلبه الحنين للعودة إلى مسقط رأسه، أملا في الحياة مجددا هناك، لكن علب الموت المتفجرة كانت له بالمرصاد.
وفي عقر داره خسر مسعد أحد قدميه بسبب لغم غادر، وهو لن ينسى ما عاش، ذاك الصوت الذي انبعث على حين غرة من تحت قدميه، وكان صدى ذاك الإنفجار هو آخر عهد له بالوقوف كسائر البشر على قدميه.
من يومه بترت إحدى رجلي مسعد وبات عاجزا، لا يقدر على المسير إلا بواسطة رجل اصطناعية يجتهد في تثبيتها حتى يقوى على المشي وسلك طريق الحياة بخطورات متعثرة.
ومسعد، كسائر ضحايا الألغام في اليمن، لم يقترف أي ذنبا يذكر لينال ما حل به من عذابات، سوى أنه رفض التخلي عن وطنه ومسقط رأسه وتمسك بمنبته.
لكن الجميل في قصة مسعد مع الألغام أن فيها عذابات لم تجتث الأمل الذي يسكن صدره ويشع نوره من عينيه، حيث يبني مسعد آملا كبيرة اليوم على قدوم فرق مسام لمنطقته ويرى على أيادى هذه الفرق الخلاص الحاسم من الألغام لمنطقته ولكل اليمن.
وهو ما دعمه بشدة عارف القحطاني مشرف فرق مسام بتعز، مبينا أنه في ظل تلوث محافظة تعز بالألغام والعبوات الناسفة، يمثل مشروع مسام الحاضر المشرق والمستقبل الآمن لمدنيي محافظة تعز، وتبذل فرق المشروع جهودا جليلة من أجل دحر الألغام في هذه المنطقة وخاصة منها مديرية موزع التي تمثل السلة الغذائية لمحافظة تعز حيث تزخر بالمحاصيل الزراعية والحياة البرية النادرة.
وأشار القحطاني أن فرق مسام تعمل اليوم في حقل السفالية بمدرية موزع بجانب مدرسة الأمل التى عاد فيها النشاط التعليمي إلى سابق عهده بعد تخليصها من الألغام، حيث تم نزع أكثر من 250 لغما مضادا للآليات ولا يزال العمل جاريا لتأمين المنطقة بالكامل، حيث تبقى فرق مسام في حالة تأهب قصوى لأي بلاغ عن وجود أي ألغام أو أجسام مشبوهة في المنطقة.
وقد اعتبر القحطاني أنه حيثما تكون فرق مسام توجد المدرسة الآمنة والطريق الآمن والمزرعة الآمنة والحياة الآمنة من علب الموت.