منذ أن وجد الإنسان على الأرض، وجدت معه قوتان هما الخير والشر. فحسب القراءة الدينية، حينما أراد الله أن يجعل في الأرض خليفة لم يعترض سوى إبليس وأقسم أن يغوي الخلق جميعا ليتمكن من زرع الشر في النفوس البشرية. وهكذا فإن قوة الشر قد وجدت مع بدء الخليقة لتنافس الخير. ومازالت وستبقى في تصادم معه مادامت البشرية في الوجود.
وما نشهده اليوم في اليمن من قتل ودمار وقهر وظلم هو نتيجة لخيارات بشرية متأثرة بنزعات الشر في دواخلها تجسدت في جماعة الحوثي. نجد في المقابل جبهة الخير التي تضم أناسا يحملون السلام والتعاون والحب للغير.
ميليشيات الحوثي مثال صارخ لقوة الشر التي لن تفن وإن قبر أفرادها، فما خلفته من آثار كارثية على البشر والحجر كاف لأن يتذكرها اليمنيون لعقود قادمة. فخلال ما يناهز الست سنوات من الانقلاب، أصبح الحوثي اسما ملطخا بالجرم والدم واللصوصية والاستعباد لخلق الله لمجرد وهم الاصطفاء الإلهي.
سنوات الانقلاب، خاضها الحوثيون بضراوة وشراسة. هذه السلالة المغرورة بالسلاح تواصل زرع الموت في كل منطقة تمر منها لتترك بصمة دم على كل شبر من ذاك الوطن المنكوب.
اليمن من أكثر الدول معاناة لانتشار الألغام. بل وترى بعض المنظمات المختصة أن اليمن يتصدر القائمة في هذه الكارثة حيث تعتبر من أكبر حقول الألغام على وجه الأرض.
لقد اعتمدت ميليشيات الحوثي استراتيجية ممنهجة في استخدام الألغام، إذ تعمدت نشر عشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة بشكل مكثف، مركزة على الأماكن المكتظة ومداخل ومخارج المدن والقرى وكذلك المنازل والأحياء السكنية التي قاومت وجود هذه الميليشيات.
هذا الإسراف والسخاء والعشوائية في زراعة الألغام لغاية واحدة وهي إحداث أكبر ضرر ممكن بالبنى التحتية وضمان سقوط أكثر ما يمكن من المدنيين عدا عن تدمير أوطانهم الصغيرة ليهيموا على وجوههم بحثا عن مأوى علها بذلك تعوض خسائرها البشرية وترمم معنوياتها بانتصار وهمي وتتروي ضمأها من دم الأبرياء.
زراعة الموت مزقت أوصال الجسد اليمني وجعلته على فوهة بركان. إرث يصعب التخلص منه نظرا لكثافة هذا الوباء المنتشر في أنحاء البلد.
لم يعد العقل البشري السليم قادرا على فهم ما يجري في تلك النفوس البشرية التي أقدمت على تقطيع أجساد أبناء بلدهم وتمزيقها إلى أشلاء وكتل من اللحم تتناثر على تلك الأرض التي خلقت ليبقى عليها ذلك الكائن لعمارتها.
لقد تبنى الحوثيون الشر كأحسن ما يكون حتى يخيل إليك أنك أمام مسوخ يملكون أحجارا في صدورهم بدل القلوب. هذا الشر الإرهابي لا يعيش إلا في الظلام فهو كاره للنور والحياة والأمل والسعادة لذا لا يتوان عن قتل وتدمير كل ما هو جميل. لكن الخير الذي قدم إلى اليمن كمشروع عطاء وتسامح وإيثار وإغاثة للملهوف ومساعدة المحتاج ومد يد العون للفقير سيظل القيمة العليا التي تنطوي تحتها كل عبارات الأمل والفرح.
مشروع مسام قدم إلى اليمن حاملا لواء السلم والحياة، باحثا عن إرساء الطمأنينة في نفوس نهشها الخوف ونال منها الحزن حتى انطفأت.
مسام يمضي بالمناطق اليمنية نحو التعافي من وباء الألغام رغم العراقيل واستمرار تلك العصابة في زرع هذه العلب القاتلة.
مسام مصر على التطبيع مع الحياة رغم الموت المنتشر ومصر أيضا على تغيير مصير شعب أريد به شر.
لقد تمكنت الفرق الهندسية التابعة لمسام نحت مسار آمن عبر تفكيك الألغام الحوثية وإعادة الحياة لعديد المناطق ونفض الغبار الذي غطى الجدران الحزينة على فراق أصحابها. فنزع ما يناهز 222 ألف لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة ليس بالأمر اليسير خاصة في ظل إصرار هذه الميليشيات على توزيع شياطينها المميتة في كل مكان لاصطياد الأبرياء.
الصراع الأزلي بين الخير والشر تبلور بوضوح على الأراضي اليمنية. فبين عصابة إرهابية لا تحمل سوى مشروع موت وأيادي خيرة تحمل مشروع حياة، لكن الأكيد أن الكلمة العليا ستكون لصاحب الحق.