تساءل الشاعر الراحل جميل حسن بمرارة وحزن عن وطنه الضائع فقال:
ولو شبح بدا لي آخر الحارات
من لهفي سألته
أرأيت لي وطني؟
وكنت أظنه سيمط لي شفتيه
ثم يهز لي كتفيه
ثم يقول يا هذا!.. أمعتوه؟
ألست تراه محتبيا على ذاك الركام من الخراب؟
هذا هو السؤال الذي يراود كل يمني بعد مصادرة وطنه في غفلة منه من قبل فخاخ الموت المتفجر، حيث خيم الحزن بسبب الموت الملغوم على شوارع وأزقة اليمن وحل الخراب بكل أركانها.
لقد تحولت مناطق هذا البلد المسكين إلى ركام يقف متساكنوها على أطلالها يبكون ماضيهم وذكرياتهم وأحبائهم.
فالألغام لا تتوقف عن العبث بأرواح الناس ومواصلة دك كل ما هو ثابت ومتحرك على هذه الأرض الطيبة. واقع مشحون بالدموع والحزن والقهر على ما يعانيه أبناء هذا البلد خاصة بسبب كمائن الموت التي نشرتها أيادي الميليشيات بزخم كبير. فسلاح الألغام قتل وأصاب الكثيرين ومازال ماضيا في فعل ذلك خاصة مع عدم توفر خرائط يستدل بها على أماكنها.
لا أحد يعرف أين ومتى زرع أول لغم من قبل هذه الميليشيات، لكن ما هو مؤكد أن هذه الجماعة جعلت اليمن يضم أعدادا هائلة من حقول الشر المسكونة بموت مؤجل لأبناء اليمن، فقد تم تلغيم الطرقات والحقول في المناطق والبلدات التي سيطرت عليها، إضافة إلى المدارس والمستشفيات وغيرها من الأماكن التي يرتادها المواطنون بكثرة، ولم تكن بيوت المدنيين بمنأى عن هذا الوباء المتفجر.
وفي قراءة متأنية للوضع الراهن في اليمن المتعلق بالألغام، تتضح أحجام المصاعب والخطورة التي تحف عملية إزالتها، لكن مشروع مسام اضطلع بهذه المهمة العصيبة عن بكل جدارة واقتدار لإبعاد شبح الموت عن المدنيين وقد سخر لذلك 400 متخصص يتولون حاليا مهمة تطهير الأراضي اليمنية من الألغام.
ويشار إلى أن أعمال المشروع تشمل إزالة وتدمير الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار، ووضع علامات على المناطق الخطرة والتوعية بمخاطر الألغام لمساعدة الناس على إدراك حجم المصيبة التي يواجهونها وتدريب كوادر وطنية يمنية على نزع الألغام.
فمسام مشروع إنساني أجار ومازال يجير اليمنيين في محنتهم مع الألغام، يقوده إيمان أعضائه بضرورة عتق رقاب الأبرياء من نار هذه الآلة القاتلة، وقد تمكن بالفعل من تأمين عديد من المناطق وإعادة الحياة إليها، وهذا المشروع الإنساني الرائد يسجل كل يوم بصمة جديدة في سجلات العطاء والتفاني والتعلق بالحياة والإيثار من أجل الآخر، وهو ماضي في ماراثونه الإنساني هذا حتى يتنفس اليمن نسائم التحرر من الألغام.