الخطأ الأول قد يكون الأخير، وخطوة واحدة في المكان الخطأ، والذي قد يكون في أي نقطة مجهولة مترامية الأطراف بحكم عشوائية الألغام وكثافتها على امتداد الأراض اليمنية، قد تكون الأخيرة.. وأما الدقة والتضحية والشجاعة والإصرار، فروح هذه المهمة الإنسانية الحيوية التي يقوم بها مشروع مسام في اليمن في سبيل مكافحة الألغام.
فالمواد المتفجرة في اليمن لا تعرف حدوداً جعرافية ولا قيوداً إنسانية ولا ضوابط وضعية ولا سماوية، كل ما فيها قاتل وفتك جامح ومتعطش للدم.. فلا حدود لنهمها للقتل ولا نية لها البتة للتوبة، وهذا ما يجعل من مهمة مكافحتها على يد رجال مسام في منتهى الدقة والحيوية، فما يقدمه مسام في اليمن، هي مهمة حياة محاطة بجحيم الموت من كل حدب وصوب بامتياز.
وفي هذا السياق، قال مدير عام مشروع مسام الأستاذ أسامة القصيبي: “إن كل المناطق التي عمل بها مشروع مسام هي محررة، ولكن للأسف الحوثي مازال مستمراً في زراعة الألغام، وكذلك في المناطق التي عملنا فيها سابقاً، فعندما يتغير خط التماس ويتقدم الحوثي ثم ينسحب، لديه فلسفة أن أي منطقة يدخل عليها يجب أن يزرعها وبكثافة بالألغام، حيث أن بعض المناطق التي عملت بها فرق مسام نقوم اليوم بتطهيرها للمرة الثالثة.. فالحوثي مازال مستمراً في زراعة الألغام والعبوات الناسفة، ومازال مُصراً على عدم تسليم الخرائط أو مشاركة أي جهة إحداثياتها، علماً أنه وقع على اتفاق ستوكهولم، وهو اتفاق واضح وصريح بالنسبة للحوثي أنه يجب تسليم خرائط الألغام، ولكن هذا لم يحدث إلى هذه اللحظة، ولا أعتقد أن هناك جهة واحدة في اليمن سواء «مسام» أو غيرها أو حتى الدولة اليمنية قامت باستلام أي شيء يخص خرائط أو إحداثيات مناطق زراعة الألغام من قبل الحوثي”.
وقد بين الخبير والمستشار التقني بمشروع مسام، فايز الحربي، أن عمل فرق مشروع مسام في اليمن إنساني بحت، حيث يعمل 32 فريقاً هندسياً على نزع الألغام والعبوات الناسفة ومخلفات الحرب من المناطق المدنية، حتى يتمكن المواطن اليمني من ممارسة حياته الطبيعية بشكل آمن، وكذلك تمكين المنظمات الإنسانية والإغاثية والفرق الطبية من القيام بأعمالها.
وأوضح الحربي أن فرق مسام تمكنت من الحد من عدد الضحايا وإعادة الحياة إلى الكثير من المناطق الملغومة في أكثر من 8 محافظات يمنية محررة.
تضحية تصافح أخرى
ولأن عمل مسام في اليمن يقوم أساساً على التضحية والعطاء، فقد أكد الأستاذ أسامة القصيبي أن عمل المشروع في اليمن عمل إنساني في المقام الأول، وبدون عملية نزع الألغام وتأمين الأرض والإنسان منها لن تتحقق أي تنمية مستقبلا، سواء كانت في مجال إعادة الإعمار أو في مجال الدعم الإغاثي والإنساني للشعب اليمني.
وقد أوضح القصيبي أن مشروع مسام “مستمر في مهمته الإنسانية في اليمن برغم خسارته الكبيرة عبر فقدانه 20 شهيداً من مهندسي وخبراء مسام، مؤكداً أن شهداء مسام أعطوا الفرق دافعاً معنوياً لمواصلة عملهم والسير قدما لتحقيق أهداف المشروع الإنساني، حيث أن إنجازات مسام تعبر عنها الأرقام التي توصل المشروع.. فنحن في سباق مع الميليشيا، ففي الوقت الذي نقوم بنزع وتفجير الألغام تقوم المليشيا بتوسعة زراعة الألغام في كل المناطق التي تخضع لسيطرتها”.
كما قال الأكاديمي بكلية التربية ببيحان، الدكتور أمين دويحان، إن مسام من أسمى مشاريع العمل الإنساني عالمياً، وأن ما قدمه هذا المشروع النبيل في اليمن عطاء لا يقدر بثمن وقد عاش اليمنيون أثر هذا العطاء إلى أبعد الحدود، حيث حرر مسام العديد من القرى والمحافظات والمراعي والمدارس والمستشفيات وغيرها من سجون الألغام الظالمة.
كما بين دويحان أن مسام خدم إنسانياً اليمن من خلال نزع وإتلاف الألغام وتوعية المجتمع اليمني بمخاطر هذه العلب القاتلة التي لا ترحم ولا تستثني أحداً، حيث قدم هذا المشروع شهداء من أجل خدمة أمن اليمنيين من الألغام، معتبراً أن فرق مسام زراع حياة وقد شهد الشعب اليمني من بينهم شهداء أبرار افتدوا اليمن واليمنيين بحياتهم، وهذا أنبل أنواع الفداء على الإطلاق.
وقد بين قائد الفريق 9 مسام، المهندس علي الريمي، أن العمل في مجال نزع الألغام ومخلفات الحرب بشكل عام، يحتاج للكثير من المجهودات الكبيرة والتضحيات الجمة، معربا أن مسام قد قدم عددا من خيرة أبنائه من الشهداء في سبيل هذا العمل الإنساني، وذلك في سبيل حفظ الحياة الآمنة خاصة للأطفال والنساء في اليمن كحلقة ضعيفة تنال منها العلب القاتلة والغادرة باستمرار.
وقد أشار الريمي إلى أن مسام واجه على الأرض العديد من التحديات، خاصة منها الألغام المبتكرة التي طورتها الميليشيات، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر العبوات، التي تهدد حياة المواطنين، لكنه لم ولن يعرف الفتور والتراجع أبدا عن هدفه الأسمى “يمن بلا ألغام”.ش