قالوا عن الألغام أنها من الجنود الأساسيين في المعارك، إذ أنها لا تنام ولا تخطئ الهدف. كلفة إنتاج اللغم المضاد للأفراد تبدأ بثلاث دولارات فقط، لكن كلفة نزعه تصل إلى ألف دولار إضافة إلى الجهد والعمل الطويل والمخاطر الجمة المحدقة بعملية الكشف عن مكان دفن اللغم وإزالته وإتلافه.
20 عاما مرت على تأسيس معاهدة حظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد، هو تاريخ يشهد على استمرار قتل وتشويه آلاف المدنيين خلال النزاعات وبعد توقفها أيضا بسبب الألغام. فاللغم الأرضي سلاح قذر يتربص بضحيته متخفيا ويبقى مستعدا للغدر سنوات طويلة، ولا خلاص منه إلا بنزعه والأجدى وقف تصنيعه من الأساس وزعه.
اليمن هو إحدى الدول التي بليت بهذا الوباء، أين تفتك الألغام بحياة الكثيرين أو تبتر أطرافهم ولا سيما الأطفال. فعادة ما يتم زرع الألغام وفق جدول دقيق يقع حفظه بخرائط أو رسومات، لكن في اليمن توضع فخاخ الموت المتفجر دون أي منطق واضح. فالميليشيات جد مبتكرة عندما يتعلق الأمر بقتل الذات البشرية، ومتعطشة للدم بزرع الألغام بطريقة هستيرية وعشوائية.
ففي المناطق المتضررة بشكل خاص تصبح كل خطوة خارج المنزل، أو ربما داخله، خطرا لا يمكن تقدير حجمه.
فمجرد الخوف من الألغام الأرضية والفخاخ المتفجرة والذخائر غير المنفجرة يضر بحياة المجتمع بأسره على نحو دائم. إذ لا يوجد في الكثير من الأحيان علامات تحدد أماكن المناطق الملوثة ومدى اتساعها، وللأسف الحوادث فقط هي التي تشير إلى الخطر الذي يكمن متربصا تحت الأرض.
هذا إضافة إلى ازدياد تهديد الألغام بشكل مخيف في السنوات الأخيرة وخاصة في المناطق المحررة من سيطرة الميليشيات، حيث باتت شديدة التلوث بالفخاخ المتفجرة، وهو ما يمثل خطرا قاتلا لحياة السكان العائدين سواء كانت مخبأة تحت السجاد أو الكراسي أو في أعتاب المنازل أو حتى داخل لعب الأطفال، فالأشياء اليومية غير المؤذية أصبحت على ما يبدو فخاخا مميتة.
فقد يسهل الحديث عن آثار هذه العلب القاتلة لكن معايشة الواقع، عذاب مرير للغاية ولا يسهل تحمل تبعاته. لذلك لطالما مثل العمل على إزالة الألغام نموذجا فذا من نماذج الإيثار والتضحية بالنفس، حيث تبذل فرق مسام الهندسية في اليمن قصارى جهدها لاستئصال هذا الداء الخبيث من اليمن.
ووفقا لآخر الإحصائيات، تمكنت فرق مسام خلال الأسبوع الثالث من شهر أغسطس 2021من إزالة 1589 لغما وذخيرة غير منفجرة ليصل بذلك إجمالي ما تم نزعه منذ بداية الشهر ولغاية الـ20 منه إلى 4886 جسما قاتلا.
فعمل مسام لا يتوقف حيث يسعى هذا المشروع لإنقاذ البلاد والعباد من هذه الكارثة التي ألمت بهم ونخرت أجسادهم رغم العراقيل المختلفة، حيث وضعت فرق مسام نصب عينيها “حق اليمنيين في الحياة والأمن”، لذلك تراهم يدافعون عن هذا الحق بكل طاقاتهم حتى أنهم وضعوا جهودهم وخبراتهم ومعداتهم وحتى حياتهم على المحك لتحقيق هذا الرهان الإنساني الذي مازال ينتظر هبة دولية نبيلة تجلي محنة الألغام عن الشعب اليمني في وقت القياسي ويكتبها التاريخ بحبر الشرف والشهامة.