الأخبار

ليست كل القلوب مهيأة لتحمل آلام الحياة وخطوبها، وليس بوسع كل الأفئدة أن تغمر حزنها في غياهب النسيان وتطبب جراحها بنفسها، خاصة إذا كانت هذه القلوب والأفئدة لأطفال لم يخبروا الحياة، ولم يمروا باختباراتها المريرة، وهذا ما يجعل حلول مصاب لهذه الفئة بالذات له وقع كبير عليها.
وما بالكم إذا كان هذا المصاب غير عاديا بالمرة، ومقترن بحادث مروع مع لغم غادر، كما حدث مع الطفل ناصر محمد ذو الثلاثة عشرة ربيعا، والذي يحمل على جسده ندوبا غائرة من جراء وقوعه فريسة لغم، وفي قلبه جروحا بليغة فاضت عنها عيناه دموعا حارة كالجمر.
فذات يوم خرج ناصر محمد للعب مع صحبه، كانت خطواته الطفولية تدعوه إلى الانطلاق والحبور واللهو، وكانت طاقته الكبيرة في حاجة لإطلاق العنان لها، وهو في أحلى سنين العمر.
وفعلا أطاع ناصر طفولته وأرخى لها العنان ولهى ولعب وضحك وشاكس رفاقه، حتى آخر مشهد جميل ظل في مخيلته، قبل أن يتمزق صوت الضحك بداخله وتتهاوى صورة المرح من مقلتيه، حينما اهتزت الأرض تحت قدميه وبات العالم أسود في عينه.
في تلك اللحظة انفجر لغم مر بجواره، فانطلقت شظاياه نحوه لتنهش من لحم جسده الغر وتنال من أحد عينيه، حيث أفاق ناصر بعد تلك الحادثة بعين واحدة.
فقد ناصر محمد لعينه سود العالم في عينه، فناصر لم يستطع أن يستوعب إلى اليوم ما حل به، وبأي ذنب آل إلى ما بات عليه، وقلبه الصغير ينفطر كلما زاد يقينه أنه لم يعد قادرا على اللعب والدراسة كما كان، وأن رؤية العالم بعين واحدة، شقاء مبكر لطفل مثله، لم يفقه من هذه الحياة الشيء الكثير.
واليوم تخنق الدموع حنجرة ناصر محمد، الذي يروى تحول حاله من حال إلى حال، وصعوبة حياته بعين واحد وألمه العميق لعدم قدرته على مشاركة خلانه في اللهو والدراسة، فقد باتت أنشطة ناصر محمد اليومية أحلاما يصعب عليه بلوغها، وكلما تيقن أنه صار عاجزا على وصالها، زادت لوعته وتعاظم حزنه واكتفى بإخفاء وجهه على العالم بكلتا راحتيه، محاولا حبس دموع تنهمر كأنها سيل لا يكاد ينقطع، فقلب ناصر محمد الذي يقطر ألما لم يستطع إقناع عيني هذا الطفل عن الكف عن ذرف الدموع، وهي دموع يجب أن تشعر الإنسانية حقا بالخجل، لأن خذلان الهبة الدولية لأهل اليمن في محنتهم مع الألغام، حكم على ناصر وغيره، بالبقاء تحت رحمة فخاخ الموت التي تتفنن في أذية الناس في تلك الربوع المنكوبة بالألغام.