الأخبار
حبر كثير سال للحديث عن مخاطر الألغام وتنكيلها بحياة الناس وكلمات وجمل إدانة عدة قذفت في وجه كل من دبر ونفذ عمليات زرع فخاخ الموت في اليمن، محولا هذا البلد الى حقل كبير غارق في الألغام.
لكن سؤال واحد قد يحصر مأساة الألغام في حياة اليمنيين وقد يجيب بدقة عن مقدار الجرائم البشعة التي قامت بها هذه الفخاخ القاتلة بحق الأبرياء في تلك الديار، دون أي جريرة ولا ذنب، فاليمنيون يعاقبون من قبل رعاة الموت المتفجر لأنه تمسكوا بوطنهم لا غير.
فإن تدخل الألغام حياتك وتفرض قانونها عليك يعني الكثير والكثير من الويلات التي لا تحصى ولا تعد وجبال من المخاوف والترهيب يصبح إيقاعا تعيشه وهواء تتنفسه حتى تختنق وتفقد مذاق الحياة وحلاوتها.
فالألغام في اليمن والتي زرعت بطريقة عشوائية لاحقت الناس واعترضت طريقهم وقطعت دروبهم أينما حلوا، ولم يسلموا من شرها لا في بيوتهم ولا في أراضيهم ولا في الطرق العامة ولا المدارس ولا المساجد ولا حتى في الصحاري والجبال ولا حتى في أماكن النزوح، فالألغام لاحقتهم وطوقتهم وضيقت عليهم الخناق وجعلتهم يهابون أن يخطو خطوة ما في مكان ما قد تكلفهم حياتهم.
وحينما تصبح الخطوة مساوية لحياة إنسان ومحددة لمصيره، تغدو الحياة في غاية الصعوبة، وحتى من جازف من أهل اليمن بسبب لقمة العيش كان يعلم أنه حينا يغاد للعمل قد يكون مشواره هذا هو الأخير أو ربما قد يتحول بعده من عائل إلى معال، بعد أن يفقد أطراف ويصبح مقعدا.
وبذلك يصبح مشوار العمل أو الدراسة دراما حقيقية يودع فيها الأهل المغادر بالدموع والمخاوف والهواجس والكثير من الرهبة من نبأ فقدان عزيز ما بسبب الألغام.
ولم تقم الألغام في اليمن بمصادرة حق الناس في الحياة بأمان واستقرار فقط، بل صادرت أيضا أرزاقهم من خلال تعطل العديد من المهن بسبب محنة الألغام كالصيد البحري وغيره، حيث تحكي بقايا المراكب المتفجرة بسبب الألغام البحرية، قصة تفرقة هذه الفخاخ القاتلة بين الصيادين وقوتهم.
ولم تسرق الألغام في اليمن من الناس حقهم في الحياة الآمنة وكسب الرزق فقط، بل كذلك حق أطفالهم في التعليم وشبابهم في مواصلة مشوار أحلامهم المهنية والوظيفية، بعد أن استوطنت الألغام المدارس ونالت من الشباب إلى حد كبير، فيكفي أن ترمق الشارع اليمني اليوم لتصدم بعدد مبتوري الأطراف وذوي الأطراف الاصطناعية والمقعدين من مختلف الأعمار والأجناس، فالجيل الصاعد في اليمن اليوم عاش ومازال دراما حقيقية مع فخاخ المليشيات المتفجرة ولن يبرأ منها بسرعة، فالجراح غائر والمصاب جلل.
فقد سرقت الألغام أحلام العديد منهم بعد أن أحدثت منعرجا كبيرا في حياتهم، فشعب فقد ومازال الاحساس بالأمن وجففت الى حدد كبير منابع قوته وسرقت أحلام شبابه، يعيش في الحقيقة مأساة عويصة وخانقة لا يعلم مقدارها إلا من هب لنجدتهم وإغاثتهم في محنتهم، وهو الدور الذي تصدرته مسام وأبلت فيه بلاء حسنا وقدمت ومازال تقدم الكثير لأهل اليوم في هذا المضمار.
فمسام هي رئة الأمل التي يتنفس منها اليمنيون لرؤية الغد بعين ملئها التفاؤل والأيادي البيضاء لفرق مسام التي تصل الليل بالنهار لنزع فخاخ الموت وإنقاذ الأبرياء من شرورها يمضون في كل ساعة ويوم باليمن إلى ضفاف يمن بلا ألغام، وهو حلم يترقبه اليمنيون بشوق عميق.. شوق الحياة.