الأخبار
ليس للانقلاب قواعد في اليمن، فبين الفينة والأخرى قد يجد العشرات أنفسهم تحت ركام بناية أو أنقاض مدن كانت بالأمس القريب تعج بالحياة، مدن كانت عامرة بالحياة وصخب الطفولة وأصوات الباعة، لكن مع استمرار القتال ترتفع كلفة الحرب يوميا على المدنيين ويزداد تدمير الأعيان المدنية والبنية التحتية وكذا لعدد الضحايا.
وأضحت كلمة “مروعة” الكلمة الأكثر استعمالا في التقارير الصحفية لوصف النتائج الكارثية لهذا الانقلاب الهمجي على السلطة الشرعية والذي لم يجلب إلى اليمن غير الوبال. لقد عانى اليمن ريفا وحضرا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك على مستوى الأمن النفسي والجسدي والغذائي للمواطنين.
فقد دكت آلة الحرب الحوثية دون هوادة المكتسبات التنموية التي حظي بها اليمنيون بمشقة وجهد، إذ أضحت المباني الحكومية والمدارس والمشافي والجامعات أهدافا محتملة للميليشيات الحوثية.
ولم يسلم من البطش الحوثي حتى المعالم الأثرية، فقد حرصت هذه الجماعة على طمس التاريخ اليمني من خلال تدمير أو تشويه معالم ألفها الناس خاصة التاريخية منها على غرار “العرضي” وهو من مآثر الأتراك في اليمن إضافة إلى مدينة صنعاء القديمة المحمية ضمن التراث العالمي التي لم تسلم بعض أبنيتها من التدمير.
أكثر من خمس سنوات من الانقلاب والإنسان اليمني يعاني الأمرين، فالشعب اليمني صار بغالبيته شعبا مريضا جائعا ومشردا، فمنذ بداية الصراع وحتى الآن هناك تقريبا 3 مليون شخص تركوا بيوتهم ونزحوا بسبب الاعتداءات المتكررة عليهم وكذلك بسبب الألغام المزروعة في مناطقهم. هؤلاء النازحون يشكلون ضغطا كبيرا على البنية التحتية والصحية اليمنية التي هي بالأساس بنى قديمة ومتهالكة مما جعلها في حالة انهيار شبه كامل.
لذلك نرى تفشي أمراض من المفترض أنها اندثرت واختفت من العالم وسيطر عليها كالكوليرا ودفتيريا والحصبة، هذا ما يجعلنا نتحدث عن انهيار نظام الأمر الذي أثر تأثيرا كبيرا على الشعب اليمني حيث يحتاج أغلب سكان البلاد البالغ عددهم نحو 29 مليون إلى مساعدات عاجلة من بينهم 11.3 مليون بحاجة ماسة إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة حسب ما أوردته الأمم المتحدة.
إذا إجهاز الحرب على الأبنية التحتية للبلاد أدى إلى زحف الأوبئة وبلوغ الضرر الذي طال قطاع الرعاية الصحية حدا جسيما مما نجم عنه حرمان ذوي الأمراض المزمنة من الحصول على العلاج المنقذ حياتهم.
وما زاد الطين بلة هو استعمال هذه الجماعة الإرهابية للأسلحة المتفجرة التي ابتليت بها مناطق واسعة من اليمن وخاصة المأهولة بالسكان، مما تسبب في وقوع مئات الضحايا بين قتلى ومصابين وازدياد احتمالية تعرض الأبنية التحتية الحيوية للتدمير مثل المنشآت الصحية وشبكات التزويد بالمياه والكهرباء.
أمل اليمنيون في إرساء أسس دولة قادرة على تحقيق المبادئ التي نادت بها مواثيق الحقوق والدساتير العادلة، وكاد حلمهم يتحقق لو لم يتسمم بالحضور الحوثي. مما جعلهم لا يرجون الآن سوى الأمن والسلامة والحفاظ على النزر القليل المتبقي من الملامح المدنية والعمرانية المهددة بدورها بالتدمير.