الأخبار
في بيت من عريش بائس، يجلس توفيق محمد عبدالله إلى فراش العجز والوحدة والضيق، مستندا إلى كرسيه المتحرك، الذي يخبره في كل لحظة وحين أن حياته تغيرت إلى الأبد، وأنه تحول من معيل إلى عالة ومن إنسان حر طليق، إلى مجرد مقعد ينهشه الضجر ويسكنه القلق، تطبق عليه الوحدة ويأسره العجز ليسمره في مكانه، وتخبره حاله أنه صار يعيش على ذكريات طفولته وشبابه لا غير.
فقصة توفيق بدأت عندما ظن أن معاناته مع أسرته طويت صفحاتها بمجرد انتهاء مسلسل تشرده مع ذويه في غياهب النزوح خوفا من الحرب، لكن الحقيقة كانت دون ذلك، لأن مأساته كانت على وشك البداية دون علم منه. مفارقة غريبة ومظالم تقاذفته حتى آل إلى ما هو عليه اليوم.
فتوفيق ككثير من اليمنيين الذين نالت منهم الحرب، اضطر لترك بيته والارتماء في ساحات اللجوء خوفا من الموت الداهم، فاضطر لترك داره ودياره، وفر مع أسرته طمعا في شيء من الأمان، وظل يحدث نفسه باليوم الذي يدحر فيه عدوه ويعود الي بيته ليواصل حياته.
وفعلا رحل الغزاة الظالمون، وقفل توفيق عائدا لبيته ظن منه أنه سيطوي صفحة عذاباته، لكن عدوه لم يرحل من داره قبل أن يبذر الموت والخراب فيها على طريقته، حيث ترك لتوفيق كعديد اليمنيين ألغاما مزروعة على تخوم بيته، لم يكن ليعلم أو يشك بوجودها، حتى حدثت المأساة، وتغيرت حياة توفيق تماما وهوت أحلامه في مواصلة حياته كما اعتاد في جرف سحيق لا يدر قراره.
فلغم غادر نال من أقدام توفيق على مقربة من بيته وقذف به إلى مراتع العجز واليأس والمرارة، فيكفي أن تراه وحيدا في بيت السعف طريح فراش العجز ونديم الوجع والحسرة، وأن ترمق ملامحه الشاحبة ووجهه الذي غادرته البسمة وعباراته المتغلغلة مرارة، حتى تدرك مصاب هذا اليمني الذي نالت منه الألغام وحطمت كل شيء أحبه وحلم به ونالت من كبريائه كرجل معيل لأسرته، وهو ما يشقى به توفيق أيما شقا، فما أصعب أن يجلس الرجل عاجزا منتظرا لقمة تزق في فاهه وفاه أسرته البائسة.
فبأي قانون تمضي هذه الألغام النهمة لنهش لحوم البشر ومص دماء وبأي ناموس تعمر، فلا القانون السماوي ولا الوضع يمكن أن يغفر أو برر جرمها المشهود، وحتى قانون الغاب لم يعرف مثل هذه الوحشية البشعة.