الأخبار
مئات الألغام اجتثتها الفرق الهندسية التابعة لمشروع مسام، وأخرى يسابقون الزمن لنزعها والخلاص من شرها للأبد.. جهود نبيلة جارية على قدم وساق في كل ربوع اليمن دون استثناء تحاول قهر التحديات وتخليص اليمن من كابوس فخاخ الموت.
لكن الألغام المنتشرة في كل ربوع اليمن وبأساليب تمويهية محاكية للطبيعة خدعت ومازالت عديد الضحايا، واستدرجت إلى فخاخها أبرياء من مختلف الأعمار والأجناس، فلم تتوان عن سفك دماء الأطفال، النساء، الشيوخ، الشباب وغيرهم، فرهان اللغم الإصابة في مقتل أو على الأقل شل حياة الضحية وإدخالها في موت بطيئ نفسيا واجتماعيا واقتصاديا.
جرائم بالجملة هلك بسببها من هلك وبقي آخرون يحملون إصابات، عاهات جسدية، وندوب نفسية غائرة، وحتى من لم يصب في جسده، فإن فقدان أحد أحبته أو رؤيته حيا يزحف بلا أطراف أو يلتمس خطاه بأطراف اصطناعية أو قد حرم من طفولته أو شبابه أو غيره، يؤذي هذا النوع من المدنيين في اليمن إلى حد كبير. فشر الألغام بالغ الجميع حتى وإن ظل مظل تهديد مرتسم في الخيال.
الكل هنا يعاني، من أصيب في المقام الأول، ومن هو تحت تهديد الإصابة أيضا، فرؤية الشوارع وقد كثرت فيها حالات الأطراف للأفراد المقعدين أو الماضين على أطراف اصطناعية أو المبتورين، يعكس إلى حد كبير مقدار المصاب في اليمن اليوم وحجم المأساة ومعاناة الناس.
فالألغام خلقت للناس مشاكل في أمنهم، قوتهم، وجودهم، واقعهم، مستقبلهم، وهي معول هدم لجيل بأكمله على أكثر من صعيد، فالطفل اليمني اليوم الذي يولد ويترعرع على وقع قصص الألغام وصداها في معيش الناس وتأثيرها على مجرى حياته، ينشأ في سجن فكرة الخوف من الألغام ويدرك أنه محاط بالموت والعجز في كل لحظة، في أي خطوة على لغم ما في مكان ما، يعني طي سجل حياته التي كان يعيشها وبداية حياة أخرى بعد أن كتب له نجاة مثقلة بالأعباء.
هذا الواقع اليمني اليوم الذي فرضته الألغام وهذه الصور التراجيدية المستوحاة من معيش الناس هي حقائق لا يمكن إغماض العين عليها، لكنها في حقيقة الأمر ليست إلا نصف الكأس المملوءة لا الكأس كلها.
ففي اليمن تسمع قصة الكبير والصغير مع الألغام، تحس بأحزانهم وآلامهم، لكن في نفس الوقت تجد لدى الناس سعة صبر وجلد وإصرار على البقاء ومواجهة كل التحديات من أجل وطنهم.. فبعد الحمد الله والرضى بقضاء الله وقدره، وينتهي بتشعبات قصص الناس مع الألغام إلى موقف مدني يمني موحد، مفاده.. نحن أبقى من الألغام، نحن الأصل وهي الدخيل الذي يجب أن يغادر أرضنا إلى الأبد.. اليمن لنا وسيكتب التاريخ قصة زوال الألغام وزراعها لتكون عبرة للأمم.