الأخبار
لم يكن اليمن على علم بما سيحل به نتيجة توق أهله إلى الحرية وإلى بناء دولة مؤسسات وقانون. لم يكن يعلم أن هناك من يترصد بالمسار الإنتقالي ليقلب الطاولة على أحلامهم ويحولها إلى كابوس يتمنون زواله في القريب العاجل.
لقد قادت اللعنة الحوثية اليمن إلى هاوية سحيقة حيث الخنادق المعبأة بالموت وسط الأحياء المفخخة بمخازن الأسلحة. ولم تستثن السياسة الحوثية في زراعة بذورها اللعينة الآبار والجامعات والمدارس والمزارع، كما أغرقت البحر أيضا ليمثل ذلك تهديدا لحركة الملاحة الدولية إضافة إلى حرمان الصيادين من ممارسة نشاطهم.
وتشكل حقول الألغام التي خلفتها الميليشيات الحوثية في المناطق المحررة مشكلا يؤرق المدنيين، إذ لا يكاد يمر يوم دون سقوط ضحايا معظمهم من النساء والأطفال.
مأساة تعيشها الأسر هناك بسبب ما ألحقته هذه الآفة بالبيت اليمني حيث فقدت العديد من العائلات معيلها في حوادث الألغام والعبوات الناسفة مما دفع الآلاف منها إلى دائرة الفقر والفاقة ناهيك عن التكاليف المالية المرتفعة التي تتكبدها الأسر لعلاج أبنائهم.
ولاتزال عديد المناطق شاهدة على حوادث انفجار الألغام التي حولت أجساد الأبرياء إلى أشلاء، منها منطقة “الشيخ سالم” التابعة لمديرية زنجبار عاصمة محافظة أبين جنوبي اليمن حيث قتل مدني وأصيب ثلاثة آخرون في إنفجار لغم أرضي بسيارة تقل عائلة سلكت طريقا فرعيا.
لقد حولت الألغام الحوثية مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية إلى حقول موت تحصد الأرواح، كما جعلت المزارع تطفو على كميات هائلة من الألغام مما يمنع المزارعين من استصلاح أراضيهم أو حصد ثمارها عدا عن منعهم من العودة إلى مناطقهم التي شردوا منها قسرا.
إن حقول الألغام الحوثية ستترك اليمن بلا شك مكدسا بالمتفجرات المدفونة التي بمقدورها قتل وتشويه المدنيين لعقود قادمة، وقد أكدت ذلك لورين بيرسي فيسينتيك، وهي عضو في منظمة مختصة برصد الألغام الأرضية بقولها “إن حجم المشكلة كبير بشكل إستثنائي، كما أن العواقب مروعة ومعظم الإصابات التي نراها اليوم من المدنيين”.
وقدرت الألغام المطمورة في جوف الأراضي اليمنية بأكثر من مليون لغم أي بمعدل أكثر من لغم لكل 30 يمنيا وهو المستوى الأعلى في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي جريمة مضاعفة حولت جماعة الحوثي مئات الآلاف من الألغام المضادة للدروع إلى ألغام فردية مما يعتبر جريمة حرب، وهي الجريمة الأخطر في مشوار الإرهاب الحوثي بحق المدنيين لما تسببه من أضرار جسيمة.
وهو ما جعل البرامج الخاصة بنزع الألغام وتفكيكها وعلى رأسها مشروع مسام تعمل بنسق حثيث على تخليص اليمن من هذه الكارثة التي تتربص بأبناء هذا البلد، إذ تبذل الفرق الهندسية التابعة للمشروع جهودا مضنية لنزع وتفكيك حقول الألغام التي زرعتها الميليشيات الحوثية في عدد كبير من البلدات والقرى.
لكن ما يزيد الأمر صعوبة هو زراعة الحوثيين لمئات الآلاف من الألغام والمتفجرات دون خرائط يستدل بها على مكانها الأمر الذي يجعلها تشكل تهديدا حقيقيا على حياة اليمنيين.
لقد نزع مشروع مسام منذ إطلاقه وحتى الآن أكثر من 104 آلاف لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة من المناطق المحررة، لكن تبقى عملية البحث عن الألغام المدفونة مضنية، تعتمد في أغلبها إما على التنبؤ بها بعد وقوع حوادث انفجار أو بناء على إرشادات المواطنين.
في ظل غياب خرائط للألغام المزروعة من قبل الميليشيات الحوثية، تظل عملية العثور على هذه الفخاخ متعبة جدا. وتبقى عملية اكتشافها رهن الصدفة، مما يجعلها تمثل خطرا كبيرا على المدنيين الذين يمثلون فريستها المفضلة حاضرا ومستقبلا.