بأي ذنب حرم زكريا طفولته؟!

زكريا من أطفال منطقة قطابة بمديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة، كأي طفل في العالم يلاحق أمه كظلها، يحب أن يكون معها ويشعر بأنفاسها وصدى صوتها ولمساتها أينما يكون، وهو مطلب ملح لكل طفل، خاصة إذا كانت الأم تنوى مغادرة المنزل لتأدية زيارة ما، وما بالك إذا كان هذا مقصدها حفلة زفاف.

زكريا، هذا الطفل اليمني البريء كان يريد أن يرافق أمه ليستمتع بحفل الزفاف معها في القرية المجاورة، كان يعلم أن في المكان المقصود سيجد المتعة واللهو، لكنه لم يكن يدري أن طريق ذهابه برفقه أمه سيكون آخر عهده بطفولته كما عاشها من قبل.

فقد نحج زكريا في إقناع أمه بالذهاب معها، وفعلا أخذته والدته وبرفقتها عدد من جيرانها لحضور عرس في قرية مجاورة لهم، لكن في طريق ذهابهم انفجر لغم أرضي بالسيارة التي تقلهم لتحول فرحتهم إلى مأساة إنسانية مرعبة.

بعد هذه الحادثة لازمت الإعاقة بسياطها القاسية المبرحة زكريا، فقد نجحت في رسم علامات الحزن والحيرة والشرود على وجه الصغير، الذي كلما نظر إلى جسده المشوه بسبب الألغام، تيقن أنه لم ولن يعود كما كان في السابق، فأطرافه المقطوعة تشده للأرض وترغمه أن يثبت كأوتاد جبارة، لكن جواد الطفولة الجامح يصهل في زكريا بقوة ويدعوه للنهوض.

يزحف زكريا مجتثا أوتاد الإعاقة من صميم عذابات العجز والوهن الذي يسكنه، يفتح ذراعيه ليحتضن كرته التي لطالما ركلها بعيدا في السابق وأبهر بحركاته الماهرة في اللعب بها أصدقائه. يسترجع زكريا مجده الكروي الطفولي ويحمله هذا المجد لركل الكورة بما تبقى من رجليه.. تتدحرج الكرة ببطئ فيتهلل وجه زكريا فرحا، ويواصل الزحف نحوها حتى يدركها ويركلها مجددا.

لعبة الأمس المرحة الخفيفة، باتت متعبة وشاقة لكنها لم تفقد حلاوتها، فسحر الطفولة قوي في أعماق زكريا، كسائر أطفال اليمن الذين واجهوا بشجاعة صنيع الألغام بهم وبرهنوا على تمسكهم بطفولتهم مهما كان الثمن.

 فالنصر في معركة الألغام مع أطفال اليمن كان ولازال دائما لصالح طفولة هذا البلد، ولم يكتب للألغام أبدا أن تنتصر على إرادة طفل يمنى إلا متى أزهقت روحه، وطالما أن فيه حياة ونبض، فإن هؤلاء الصغار كتبوا ومازالوا ملاحم صمود في وجه هذه العلبة القاتلة الغادرة.