الأخبار

السير فوق الموت أو الوقوف على فوهة بركان هي عبارات نستعملها للإشارة إلى صعوبة مهمة أو خطورتها لكن هذه المرة هذه العبارات هي التوصيف الحقيقي لما تعيشه الفرق الهندسية لنزع الألغام في اليمن، فهي تسير فعلا فوق الموت الكامن تحت أدمة الأرض.
فطواقم مشروع مسام وكذلك الفرق التابعة للجيش الوطني تتحمل تبعات هذه المهمة الجسيمة وما يترتب عنها من تضحيات، فقد ودعت فرق مسام 19 من خيرة أبنائها في سبيل تأمين حياة الآلاف من الأشخاص ولم تتراجع قيد أنملة عن هدفها النبيل الذي تسعى بكل جهدها لتحقيقه وهو”يمن خال من الألغام”، لكن تبقى الأشواك التي ترميها ميليشيات الحوثي في كل مكان تمثل عائقا أمام الجميع وخاصة المواطن الذي تلاعبت بقوته وحياته وأعصابه وأعضائه.
وتعد محافظة الجوف من أكبر المسارح التي أكرمها الإنقلابيون بأعداد هائلة من الألغام وهو ما يعتبر تهديدا خطيرا لحياة الأبرياء هناك. فرغم إتلاف نحو 15 ألف لغم مضاد للأفراد وللمركبات وعبوات ناسفة وقذائف من قبل الفرق الهندسية التابعة لمشروع مسام بالتعاون مع مركز البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام، لاتزال هذه المحافظة موبوءة في ظل وجود الآلاف من الألغام مطمورة تحت الأرض في مناطق متفرقة بالمحافظة هذا ما ورد على لسان مدير مكتب حقوق الإنسان بمحافظة الجوف عبد الهادي العصار خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده المكتب لاستعراض نتائج عمليات الرصد والتوثيق لضحايا الألغام بالمحافظة منذ بداية الإنقلاب وحتى هذا العام.
وخلال هذا المؤتمر الذي نظم بمدينة الحزم بحضور ناشطين حقوقيين ووسائل الإعلام من بينها الإخبارية السعودية قال العصار”أن ميليشيا الحوثي الإنقلابية قامت بزراعة الآلاف من الألغام في جميع أنحاء مناطق المحافظة التي تمكنت من السيطرة عليها”، مشيرا إلى أنها جادت بها بسخاء على المناطق التي أجبرت على الإنسحاب والتراجع منها حيث عمدت إلى تفخيخها لتودي بحياة المئات من المواطنين وإلحاق إعاقات كلية أو جزئية بآخرين.
هذا وأعلن مكتب حقوق الإنسان عن رصده لـ14780 حالة انتهاك ارتكبتها الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بحق سكان المحافظة منها 190 حالة قتل و385 حالة إصابة وتشوه وبتر و105 حالة تدمير للسيارات والممتلكات العامة وقتل 100 رأس من المواشي علاوة تسببها في نزوح أكثر من 14000 شخص.
فهذه الجماعة لا تتورع عن ممارسة شتى أنواع الجرائم في حق الشعب اليمني وتبقى الألغام الأشد وطأة لأنها حرمت السكان من حياة آمنة إذ حرمتهم من منازلهم حيث شردوا منها قسرا إضافة إلى منعهم من بلوغ مزارعهم ومصادر المياه النظيفة وارتياد مدارسهم، كما أنها تسللت بخبث إلى مستقبلهم فآثارها رسمت على أجساد البعض في حين يعيش البقية حالة هلع وخوف دائم منها وهو ما أبرزه عبد الهادي العصار من خلال قوله بأن مشكلة الألغام المزروعة في محافظة الجوف أصبحت معضلة ثقيلة أمام الحاضر ومستقبل المحافظة وهو ما يجعل منها حربا أخرى تسحق المواطنين وتضاعف الأزمة الإنسانية التي تمر بها محافظة الجوف كونها زرعت كميات كبيرة وبأشكال مموهة وفي مساحات شاسعة وحيوية مرتبطة بحياة الناس اليومية كالمزارع وأماكن الرعي والطرقات الفرعية وفي جوانب خطوط الإسفلت الرئيسية وأيضا في المدارس ودور العبادة وسائر المنشآت التي خضعت لسيطرة الميليشيات بما في ذلك منازل المواطنين.
كما أشار أن عملية الرصد والتوثيق وجلسات الإستماع التي قام بها فريق مكتب حقوق الإنسان أفضت إلى قيام المتمردين بزراعة آلاف الألغام في مديرية خب والشعف ومديرية برط العنان ومديرية الحزم ومديرية الغيل ومديرية المصلوب ومديرية المتون.
وفي ختام الفعليات وجه كل من العصار والناشطة اليمنية مجيده الجوفي شكرهما وتقديرهما لقيادة المملكة العربية السعودية ولمشروع مسام على تدخلاتهما الإنسانية التي أسهمت في تخفيف معاناة أبناء المحافظة وإنقاذ حياة الناس، فيما دعا العصار مشروع مسام إلى تفعيل أنشطة التوعية من مخاطر الألغام حماية للمدنيين.
هذا وناشد البيان الختامي للمؤتمر كل المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالتدخل السريع لإنقاذ أهالي الجوف من هذه الكارثة الإنسانية المهددة للحياة موجها نداء عاجلا إلى الأمم المتحدة ومبعوثها في اليمن لزيارة محافظة الجوف للإطلاع على ما ترتكبه الميليشيات الإرهابية من انتهاكات جسيمة بحق الأبناء الجهة وذلك من خلال خرقها لاتفاقية أوتاوا القاضية بمنع استخدام ونقل وتركيب وتخزين وزرع وإعادة تصنيع وتطوير الألغام وهو ما يعني وفقا للأعراف الدولية تحد واضح للقانون الدولي مما يتطلب تدخلا فوريا لإيقاف ومعاقبة مرتكبيه.
وبعث البيان برسائل متعددة للحكومة الشرعية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة اليونيسيف بضرورة تحمل مسؤولياتهم تجاه ضحايا الألغام في محافظة الجوف من خلال إنشاء مركز متكامل لنزع الألغام ومركز للتعويض عن الأطراف الصناعية وتدريب فريق محلي هندسي لنزع الألغام وفريق آخر للتوعية بمخاطرها وتوفير كافة الإحتياجات اللازمة لتفعيل كل ذلك.
إن فرق نزع الألغام التابعة للتحالف العربي وللجيش الوطني ولمشروع مسام بذلت جهودا كبرى لإزالة بذور الموت التي زرعتها الميليشيات الإنقلابية لكن يبقى من الصعوبة بمكان التخلص منها نهائيا في وقت مازالت تشهد بعض الجبهات معاركا ضارية وفي وقت مازالت هذه الجماعة تطمر فخاخها بشكل عشوائي.