كل جرائم الألغام في اليمن بحق الأبرياء مؤلمة وبشعة وتنم عن غياب لضمير زراعها وموت لقيمهم وخروج فج عن السجية السليمة للبشرية والفطرة القويمة التي جبل عليها الإنسان.
وهذه الحقائق المرة تزداد مرارة وتغدو حنظلاً معتقاً، إذا كانت الضحية خاصة طفلاً بريئا يافعا، أو مسناً في خريف العمر، نالت منه السنون وأخذت الحياة من قواه الكثير والكثير، ورسمت المتاعب على وجهه أخاديد الشقاء والبؤس والحاجة.
وهذا حال فاطمة قائد، مسنة يمنية، ضعيفة القوى، ضعيفة الحال، تبعث رؤيتها وهي في كامل صحتها، ودون نيل لغم منها الشفقة، فتقدمها في العمر يكشف كم شقيت هذه المسكينة في حياتها وكم لاقت من متاعب في دربها، وهي لم تكن بحاجة لأي عارض آخر ليزيد من شقائها.
لكن حالة فاطمة وتقدمها في السن وضعف قوتها، لم يشفع لها لدى لغم غادر، نال منها وهي تقيس خطاها ضعفا وخوفا، على الطريق، وقصم ظهرها للأبد وأباد ما تبقى فيها من قوة ورمى بها في زواية العجز، بعد أن بتر رجلها.
اليوم تقبع فاطمة في بؤس كبير على فراشها المتهالك في بيتها المتواضع في زواية وحيدة باردة بائسة، نديمها العجز والشيخوخة ومؤنسها الهرم، لا تقوى لشيء سوى الحبو تارة والزحف تارة أخرى لتدبر يومها بما تبقى لها من جهد.
وأحياناً يخذل شبح القوة المتبقية لدى فاطمها، فاطمة نفسها، فتجد نفسها عاجزة تماماً، وقتها تستنجد بساعدي بنها ليحملاها لقضاء حاجتها.
لمسات ابنها وقبلاته لرأسها يطببان شيئاً من جراحها ويرسما على وجها المكسو بالتجاعيد بسمة شاحبة، تجتهد فاطمة في الحفاظ عليها من أجل ابنها الذي يتمزق قلبه كل يوم لرؤيتها بهذه الحالة الصعبة.
ترسل فاطمة عينيها للسماء وكأنها تطلب العون والمدد ممن لا تنضب خزائنه ولا يرد سائله، فويل لزراع الألغام من هذه العيون الموصلة بالسماء ومن غضب رب السماء لحال هؤلاء الأبرياء الضعفاء.