“الألغام المهاجرة”.. ملاحقات دموية للنازحين اليمنيين

مسام.. فيض من العطاء الإنساني في اليمن

الألغام سلسلة من العذابات والمآسي

حياة اليمنيين مع الألغام سلسلة من العذابات والمآسي التي تحفر على جذور الراحة والطمأنينة في يومياتهم وترمي بيهم في مصائر قاتمة مرة للغاية.

وهذا الوصف ليس ضرباً من المبالغة اللغوية أو التعاطف الجياش مع أبناء جلدتنا في اليمن، وإنما حقيقة ملموسة ومعيش مشهود يرويه وتقر به المظالم التي تسلطها عليهم العلب المتفجرة التي خنقتهم ومازالت تلاحقهم أينما فروا منها.

فحينما أحس العديد من اليمنيين أن القرى والمناطق الحيوية، التي كانوا يسكنونها ومناطق رعيهم لمواشيهم ومزارعهم وغيرها، باتت تشكل تهديداً حقيقياً لحياتهم وحياة أسرهم بسبب انتشار الألغام فيها، بعدما عمدت الميليشيات إلى حرثها بالألغام بطريقة هستيرية وبأساليب تنم على الرغبة الجامحة للتقتيل والتنكيل بضحاياهم، لم يجد هؤلاء المدنيين مفراً سوى النزوح إلى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان المفقود.

قرار صعب للغاية، ذهب إلية الفارون من الموت الملغوم من المدنيين اليمنيين، حيث تركوا بيوتهم الآمنة ومرافق عيشهم الميسرة، وهرعوا للعراء ليحتموا ببعض الخيام المهترئة وبيوت القش وعيدان الحطاب، في ظل شح لمصادر المياه و المواد الغذائية الأساسية والرعاية الصحية، حيث قال أحد النازحين لمسام: “لم نجد خياراً آخراً سوى الهروب مع عائلاتنا والنزوح إلى هذه المناطق الجدباء الوعرة، علنا نحظى بشيء من الأمن من شر الألغام”.

خيام منتشرة هنا وهناك تروى مأساة التهجير القصري الذي ارتكبته هذه الألغام المتعطشة للدم، بحق هذه الأسر اليمنية من رجال ونساء وأطفال، الذين تركوا ديارهم ليكابدوا حياة صعبة هنا، حيث البؤس يضع أوزاره ويتربع على عرش الظلم والقهر.

في سجون الألغام

 

حياة النازحين اليمنيين في مخيماتهم بسبب تهريب الألغام لهم وذكرياتهم المأساوية معها في مناطق معيشهم الأصيلة في القرى وغيرهم، رصيد من الأحزان يحملونه معهم وهم راحلون إلى مخيماتهم، حيث يعيشون هناك، تنازعهم تلك الذكريات المرة والحنين الكبير لبيوتهم التي تركوها ورائهم ومصادر قوتهم، حيث قال أحد النازحين لمسام: “تركنا بيوتنا ومواشينا ومزارعنا وآبارنا المتعرة بالمياه النقية الفياضة، ودفعتنا الألغام لترك كل تلك الخيرات والعيش هنا كنازحين بائسين.. نموت في اليوم ألف مرة قهراً على كل ذلك وعلى عائلاتنا التي استبد بها الجوع والمرض والحرمان، فأطفالنا تركوا مدارسهم وباتوا مسكونين بالخوف بسبب ما عايشوه من فظاعات الألغام، التي قتلت الكثيرين وبترت أطراف آخرين وتسببت في تشوهات فظيعة لهم.

ورغم ذلك يبقى رصيد الأحزان والمتاعب هذا، نصف الحقيقة المرة التي يعيشها اليمنيون بسبب الألغام، فحتى في مناطق النزوح لم ينجح هؤلاء الأبرياء في جعل الألغام تتركهم وشأنهم وتتوب ولو قيد أنملة عن جرائمها البشعة وعن إصرارها على الانتقام الدموي منهم، حيث عرف مخيم السويداء مؤخرا حادثة مأساوية للغاية بسبب لغم جرفته السيول نحو هذا المخيم البائس وفتك بثلاثة أطفال من أسرة واحدة.

وفي هذا السياق، قال قائد الفريق 13 مسام: “تلقينا بلاغاً بوقوع حادث ملغوم، فهرعنا للمخيم حيث حدث انفجار لغم جرفته السيول ووقع بين يدي بعض الأطفال الذين حملهم فضولهم إلى محاولة اكتشاف هذا الجسم الغريب، فانفجر بهم على بعد 80 متراً من خيمتهم، وبعد إجراء مسح لكامل المخيم تم نزع العديد من الألغام الأخرى التي كانت ستفتك بأبرياء آخرين على شاكلة هؤلاء الأطفال”.

الهروب من الألغام إلى المجهول

 

وقد قال عم الضحايا خلال حديثه لمكتب مسام الإعلامي: “لقد هربنا من الألغام وتركنا كل حياتنا الهادئة وراءنا وجئنا هنا لكي نحافظ على حياتنا وحياة أطفالنا، وها هي الألغام تلاحقنا أينما ذهبنا وكأنها تهاجر معنا لكي تكسر قلوبنا بفقد أحبتنا وتؤكد لنا أنه لا أمان لنا إلا في المناطق التي يقوم مشروع مسام الإنساني بتطهيرها من شر هذه العلب القاتلة، وفي الحقيقة هب مسام لمساعدتنا بعد الحادث وأمن كل المنطقة، نحن اليوم نحس بالأمان بعد قدوم هذا المشروع النبيل لنجدتنا”.

وقد قال قائد الفريق 13 مسام “بعد تطهير المخيم كليا من الألغام، انطلقنا في حملة توعوية واسعة لسكان المخيم بخصوص مخاطر الألغام وتعريفهم على أنواعها وبعض طرق وجودها وتمويهها، وقد ركزنا على الأطفال، لأنها الفئة الهشة الأكثر استهدافا بهذه العلب القاتلة بحكم براءتهم و عدم حذرهم من الأجسام الغريبة”.

 

وقد قال أطفال المخيم الذين وزعت عليهم ملصقات توعية بخصوص الألغام من قبل مشروع مسام ” لقد تعلمنا من مسام أن لا نقترب من الأجسام الغريبة ولا نلهو بها، وأن نبلغ أهلنا مباشرة عند العثور على أحدها وأن نكون حذرين دائما لأن الألغام قاتلة وقد فقدنا الكثير من أصدقائنا بسببها ولا نريد أبدا أن نخسر المزيد”.

شارك المقال

واتس اب
لينكد إن
تويتر
الفيسبوك