الأخبار
حرب اليمن حرب انتزعت صفة أكبر مأساة إنسانية، إذ لم تتوقف آثارها عند القتل والتدمير والتهجير والمجاعة والأمراض.. بل انضافت إليها كارثة الألغام التي مثلت حربا موازية أجبر اليمنيون على خوضها بصفة يومية.
هذا الموت الصامت سيظل قابعا في الطرقات والمنازل والمزارع لأسابيع وشهور وسنين لا بل لعقود في انتظار خيانة الحظ ليلاقوا قدرهم المحتوم.
فالذين لم تطلهم رصاصة طائشة أو قذيفة عشوائية يقعون فريسة للألغام الأرضية بشكل يومي تقريبا. هذه الآفة التي نثرتها الميليشيات الحوثية بكرم في مختلف البقاع اليمنية أحرقت الأخضر واليابس.
لقد اعتمدت الجماعة الانقلابية على زرع كميات هائلة من الألغام لمواجهة القوات الشرعية وللانتقام من اليمنيين الرافضين لوجودهم. فالحوثيون زرعوا الألغام يدويا دون اعتماد نمط أو سجل يمكن تحديده مما زاد في الفوضى الأمنية في اليمن وشكل تهديدا لحياة اليمنيين. ونتيجة لهذه الطريقة يمكن للأعاصير والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية أن تبعثر الألغام من مواقعها الأساسية.
لكن ثمة شيء آخر لا يقل خطورة، وهو تحويل الألغام المضادة للآليات ذات المفجرات الثقيلة والمدى التفجيري الكبير إلى ألغام مضادة للأفراد، وكان مشروع مسام قد كشف حسب وقائع ميدانية أن المسافة الفاصلة بين لغمين تتراوح بين 20 و30 سنتمترا، وبذلك تحول هذه الألغام المتراصة المناطق السكنية والمناطق القريبة من الطرقات إلى حقول ألغام مفتوحة تنهش كل من يقترب منها وتزرع الرعب والأسى في قلوب المدنيين والمهجرين من ديارهم قسرا. ويتضح مما سبق أن الهدف من زراعة الألغام ليس عسكريا بالأساس وإنما استهداف الشعب والبنى التحتية وتفريغ القرى من أهلها، وهو ما يعتبر جريمة بأتم معنى الكلمة.
أصدرت منظمة رايتس رادار الهولندية تقريرا بعنوان ” حدائق الموت” حملت فيه الميليشيات الحوثية مسؤولية مقتل 580 ضحية بينهم 104 طفل و60 امرأة نتيجة انفجار الألغام. وقد تضمن التقرير أرقاما مفزعة وقصصا مرعبة عن الضحايا الذين واجهوا انفجار هذه الألغام بأجسادهم خلال الحرب العبثية التي تجاوزت عامها الخامس.
فالصراع المسلح الذي يشهده اليمن منذ 2014 جرت فيه أكبر عملية زرع ألغام فردية ومضادة للمركبات والعبوات الناسفة في تاريخ اليمن الحديث.
ووفقا للتقرير فقد تصدرت محافظة تعز قائمة الضحايا بـ160 قتيلا تليها محافظة الحديدة بـ114 قتيلا فالبيضاء بـ94 قتيلا. وتحتل جماعة الحوثي المركز الأول في المسؤولية عن سقوط العدد الأكبر من ضحايا الإعاقة والإصابة بعدد بلغ 457 ضحية بينهم 288 رجلا و113 طفلا و56 امرأة.
واشتمل التقرير أيضا على عدد من القصص والشهادات لضحايا الألغام مما يبين حجم المعاناة والمآسي الملمة بالشعب اليمني.
وطالبت منظمة رايتس رادار ميليشيات الحوثي المسلحة بتسليم خرائط كافة الحقول والمناطق المزروعة بالألغام. كما دعتهم إلى ضرورة التوقف عن بذر هذه العلب القاتلة بكافة أشكالها وأحجامها والكف عن صناعة العبوات الناسفة ومختلف أشكال المتفجرات.
في ظل الوضع المتشعب الذي يعيشه اليمن على جميع الأصعدة وخاصة المتعلق بزراعة الألغام، وجب على الأمم المتحدة استخدام صلاحياتها بممارسة ضغط دولي على جماعة الحوثي لوقف زراعة هذا الوباء بكل أنواعه ومواصلة التحقيق في القضية التي دمرت شعبا بأسره وخيمت نتائجها الوخيمة على المجتمع بما يكفل إيصال الجناة إلى العدالة.