الأخبار
قد لا يكون الحوثيون أول طرف محارب يستخدم الألغام في اليمن، لكنهم بالتأكيد هم أول طرف يعمد إلى زرعها بمعدل مرتفع للغاية. فخلال الصراع الدائر حاليا، زرع الحوثيون ألغاما على طول الساحل وعلى الحدود مع السعودية وحول المدن الرئيسية وعلى طول طرق النقل المرتبطة بصنعاء من أجل إنشاء أطر دفاعية أو تمهيد الطريق للتراجع، هذا إلى جانب وجودها في المنازل والآبار والمدارس والجامعات وغيرهم من المنشآت العامة والخاصة مما حول مساحات من الأراضي إلى مساحات غير صالحة للسكن وأخرى غير صالحة للزراعة.
وبالإضافة إلى العدد الهائل للألغام، يواجه اليمن تحديا يتمثل في عدم وجود خرائط يستدل بها على أماكن وجود هذا القاتل، فعادة ما تقوم القوات النظامية بزراعة الألغام بنمط معين يمكن في مرحلة ما بعد النزاع من جمعها، لكن في اليمن الأمر يختلف، إذ تم زرع علب الموت هذه دون اعتماد نمط أو سجل وهو ما يجعل أمر إزالتها صعب للغاية علاوة على أنه يمكن للأعاصير والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية أن تبعثرها وهو ما حصل في منطقة البقع في محافظة صعدة شمالي اليمن حيث كشفت سيول الأودية الناجمة عن نزول كميات هامة من الأمطار عن حقل يضم فيضا من الألغام الأرضية كانت قد طمرتها الميليشيات الحوثية. لقد ترك الحوثيون بعد انسحابهم من عدة مناطق مسارا مليئا بالألغام في محافظات عدن ولحج والبيضاء ومأرب.
وفي ظل هوس هذه الجماعة بزرع أعداد كبيرة من الألغام، من الصعب التحقق من أرقامها الحقيقية في إنتهاك صارخ لكل الأعراف الدولية الداعية إلى حماية المدنيين ومصادر رزقهم. لقد عمد هؤلاء الإنقلابيون لدفن بذور حقدهم في المناطق السكنية والطرق العامة والمنازل والمزارع، مما زاد في فداحة الأضرار من خلال ارتفاع معدلات القتل والتشويه، وهو ما أسفر عن تزايد حالات الإعاقات الدائمة في أوساط المدنيين خصوصا الأطفال.
هذه الأفعال تبين مدى دموية هذه الجماعة وكرههم لأبناء شعب يريد لفظهم خارج خارطة دولته بعد أن ساموهم شتى أنواع العذاب.
وقال مدير مكتب حقوق الإنسان بمحافظة الجوف عبد الهادي العصار “إن ميليشيا الحوثي حولت الجوف إلى حقول ألغام، حيث زرعوا ألغاما ضعف عدد السكان“، مشيرا إلى أن عدد ضحاياها يقدر بالمئات جلهم من النساء والأطفال وأن أغلبهم فقدوا أطرافهم بسبب الألغام التي طمرتها أيادي الحوثيين بشكل مخيف.
وقد أكرمت هذه الجماعة المنطقة بكميات هامة من سلاحها الغادر، إذ لم يسلم من فخاخها حتى الآبار، ففي مديرية اليتمة قامت الميليشيات بتحويل الآبار إلى حقول ألغام حيث تم تفخيخ الآبار وأنابيب المياه بمئات الألغام والعبوات الناسفة.
وأشاد مدير مكتب حقوق الإنسان بالمجهودات الجبارة التي يبذلها مشروع مسام الذي استطاع أن يخلص محافظة الجوف من عبء كبير. فقد تمكنت فرقه الهندسية من تأمين مناطق كثيرة في مديرية الحزم عاصمة المحافظة ومديرية الغيل والخب الشعف إضافة إلى مديريتي المصلوب واليتمة بعد أن قامت بإزالة أكثر من 17 ألف لغم وعبوة ناسفة، مؤكدا أن الألغام المتوقع نزعها من الجوف تتجاوز نصف مليون لغم وعبوة ناسفة، مما أثار ارتياحا في نفوس المدنيين والذين تمكنوا على إثر ذلك من العودة إلى منازلهم ومزارعهم وممارسة حياتهم الطبيعية من جديد بعد التخلص من غزو كابوس الألغام لأحيائهم والقضاء على كل ملامح الحياة.
ونفذت الفرق الهندسية التابعة للمشروع ، وتعد هذه العملية السابعة التي ينفذها الفريقين 3 و15 على مستوى هذه المديرية منذ أكثر من العام. ومن المنتظر أن تلي هذه العملية عمليات إتلاف في محافظات مأرب وشبوة والجوف.
ستبقى الألغام تشكل تحديا صعبا خلال حقبة ما بعد النزاع الذي لا تلوح له بوادر. ونتيجة لذلك سيشكل نزع الألغام القضية الرئيسية في مفاوضات السلام إذ لا يمكن إعادة إعمار اليمن دون معالجة هذه المشكلة الخطيرة.