لا تفرق الألغام بين ضحاياها، ولا تميز أحدًا عن الآخر. وهذا ما حدث مع بطل قصتنا، الدكتور طارق عبدالله العواضي، المسعف الشجاع الذي تحول من منقذ إلى ضحية بعد انفجار لغم أرضي بسيارته أثناء تأمين الفريق الهندسي المرافق حقل ألغام بمنطقة الريان في صحراء محافظة الجوف شمال اليمن .
يروي الدكتور طارق عبدالله العواضي، مسعف فريق المسح بمشروع مسام، تفاصيل قصته بأسلوب مختلف عن المعتاد من ضحايا الألغام. تحدث طارق عن تجربته بكل هدوء، دون أن يظهر في كلماته أثر الحزن أو الألم، وكأن ما حدث مجرد يوم عادي. لم يثر الحزن صوته ولم يشكُ الألم رغم فقدانه إحدى قدميه. بل عبر عن تجربته بواقعية مؤثرة، وكأنه يقول: “فقداني لأحد أطرافي هو جزء من المخاطر التي توقعت مواجهتها، وهو ضريبة العمل في مجال نزع الألغام.”
لم يرَ طارق عبدالله في إصابته نهايةً، بل اعتبرها نتيجة طبيعية لمهمة إنسانية عظيمة. وكان مدركًا، كغيره من أبطال مشروع مسام، أن كل من يعمل في هذا المجال قد يدفع حياته أو جزءًا من جسده ثمناً لها.
إن إدراكه العميق بقدسية الواجب الإنساني كان الحافز الذي دفع طارق لتجاوز الإعاقة والمضي قدمًا في حياته الجديدة دون تردد، مدفوعًا بإحساسه بالمسؤولية تجاه حماية الآخرين من خطر الألغام.
قصة طارق عبدالله ليست مجرد قصة إصابة، بل هي رسالة ملهمة تتحدث عن الشجاعة والتضحية والإرادة الصلبة. إنها قصة بطل تحدى الإعاقة ورفض الاستسلام، وأثبت أن الروح القوية لا تكسرها الجراح.
وبالعودة إلى تفاصيل إصابته، يقول طارق: “بعد إصابتي، لم أفكر بنفسي ولو للحظة. كل ما كان يشغل تفكيري هو كيف أستطيع إنقاذ زملائي وتقديم الإسعافات الأولية لهم. لكن بحمد الله، لم يتأثر أي منهم جراء الانفجار.”
ويضيف: “بعد لحظات، شعرت بألم شديد في أطرافي السفلية، لاكتشف أن إحدى قدميّ تعرضت لإصابة بالغة، والدماء كانت تنزف بغزارة. رغم ذلك، لم أفقد الوعي. طلبت من الزملاء إحضار حقيبة الإسعافات، وتعاملت مع النزيف، ووجهتهم حول كيفية إعطائي الحقن اللازمة.”
تم نقل طارق بعدها إلى مستشفى كرى في مأرب، حيث قرر الأطباء بتر ساقه لإنقاذ حياته.
يقول طارق عبدالله: “قبل أن أفكر في الانضمام إلى مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن ، عملت كمساعد طبيب في عدة مستشفيات، وشاهدت عن قرب معاناة ضحايا الألغام، خاصة النساء والأطفال. ومع تزايد أعداد الضحايا في العديد من المحافظات، قررت الانضمام إلى مشروع مسام كمسعف مرافق للفرق الهندسية، بهدف المساهمة في إنقاذ الأرواح وتخليص المجتمع من هذا الخطر الذي يهدد حياة المدنيين، وهو الهدف الإنساني النبيل الذي من أجله وُجد مشروع مسام.”
يضيف طارق: “رغم أن خطورة الألغام على الأطباء والمسعفين المرافقين للفرق الهندسية ليست كبيرة مقارنة بالنازعين الذين يتعاملون مباشرة مع الألغام، إلا أن القدر جعلني أنا الضحية، بينما نجا الفريق.”
ويؤكد طارق: “لو سُمح لي بالعودة إلى عملي في مشروع مسام، سأعود بطاقة أكبر ومعنويات أعلى، لأنني أصبحت أدرك حجم المعاناة التي يعيشها ضحايا الألغام.”
وفي ختام حديثه، وجه طارق رسالة لزملائه في الفريق الطبي بمشروع مسام قائلاً: “أنتم في مهمة إنسانية عظيمة، لذا يجب عليكم الالتزام الكامل بمعايير السلامة وعدم التهاون بها، لتتمكنوا من أداء واجبكم بكفاءة وحماية زملائكم في الفريق الهندسي.”